| لا تحزن للشيخ / عائض القرني | |
|
|
|
كاتب الموضوع | رسالة |
---|
نسيم السحر
عدد المساهمات : 242 تاريخ التسجيل : 20/06/2009 العمر : 43 الموقع : سورية ____ حلب
| موضوع: رد: لا تحزن للشيخ / عائض القرني الخميس يونيو 25, 2009 4:59 pm | |
| العِلْمُ النافعُ والعلمُ الضَّارّ
لِيهْنِك العِلْمُ إذا دلَّك على اللهِ . ﴿ وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ ﴾ . إنَّ هناك علماً إيمانيّاً ، وعلماً كافراً ، يقولُ سبحانه وتعالى عنْ أعدائِهِ : ﴿ يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ ﴾ . ويقول عنهم : ﴿ بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِّنْهَا بَلْ هُم مِّنْهَا عَمِونَ ﴾ . ويقولُ عنهم ﴿ ذَلِكَ مَبْلَغُهُم مِّنَ الْعِلْمِ .... ﴾ . ويقولُ جلَّ وعلا : ﴿ وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِيَ آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ{175} وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَـكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ذَّلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ . وقال سبحانه وتعالى عنِ اليهودِ وعنْ علمِهم : ﴿ كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً ﴾ : إنَّه علمٌ لكنَّه لا يهدي ، وبرهانٌ لا يشفي ، وحجَّةٌ ليستْ قاطعةً ولا فالجِةً ، ونَقْلٌ ليس بصادِقٍ ، وكلامٌ ليس بحقٍّ ، ودلالةٌ ولكن إلى الانحرافِ ، وتوجُّهٌ ولكن إلى غيٍّ ، فكيف يجدُ أصحابُ هذا العلمِ السعادة ، وهمْ أوَّلُ منْ يسحقُها بأقدامِهم : ﴿ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى ﴾ ، ﴿ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ ﴾ . رأيتُ مئاتِ الألوفِ من الكتبِ الهائلةِ المذهلةِ في مكتبةِ الكونجرس بواشنطن، في كلِّ فنٍّ ، وفي كلِّ تخصُّصٍ ، عنْ كلِّ جيلٍ وشعبٍ وأُمةٍ وحضارةٍ وثقافةٍ ، ولكنَّ الأمة التي تحتضنُ هذه المكتبة العظمى ، أُمَّةٌ كافرةٌ بربِّها ، إنها لا تعلمُ إلا العالم المنظور المشهود ، وأمّا ما وراء ذلك فلا سمْع ولا بَصَرَ ولا قلْبَ ولا وَعْيَ ﴿ وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعاً وَأَبْصَاراً وَأَفْئِدَةً فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلَا أَبْصَارُهُمْ وَلَا أَفْئِدَتُهُم مِّن شَيْءٍ ﴾ . إن الرَّوضَ أخْضَرُ ، ولكنَّ العنْزَ مريضةٌ ، وإنَّ التَّمْرَ مقفزيٌّ ، ولكنّ البُخل مرْوزِيٌّ ، وإن الماء عذْبٌ زُلالٌ ، ولكن في الفم مرارةً ﴿ كَمْ آتَيْنَاهُم مِّنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ ﴾ . ﴿ وَمَا تَأْتِيهِم مِّنْ آيَةٍ مِّنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ إِلاَّ كَانُواْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ ﴾ . *************************************** أكْثِرْ من الاطِّلاعِ والتَّأمُّلِ
إنَّ ممَّا يشرحُ الصدر : كثْرةُ المعرفةِ ، وغزارةُ المادّةِ العلميَّةِ ، واتِّساعُ الثقافةِ ، وعُمقُ الفكرِ ، وبُعدُ النَّظْرةِ ، وأصالةُ الفهْمِ ، والغوْصُ على الدليلِ ، ومعرفةُ سرِّ المسألةِ ، وإدراكُ مقاصدِ الأمورِ ، واكتشافُ حقائقِ الأشياءِ ﴿ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء ﴾ ، ﴿ بَلْ كَذَّبُواْ بِمَا لَمْ يُحِيطُواْ بِعِلْمِهِ ﴾ . إنَّ العالِم رحْب الصدرِ ، واسع البالِ ، مطمئنّ النفْسِ ، منشرحُ الخاطرِ .. يزيدُ بكثْرةِ الإنفاقِ منهُ وينقصُ إنْ به كفّاً شددْتا
يقولُ أحد مفكَّري الغربِ : لي ملفٌّ كبيرٌ في درجِ مكتبي ، مكتوبٌ عليه : حماقاتٌ ارتكبتُها ، أكتبُه لكلِّ سقطاتِ وتوافه وعثراتٍ أُزاولُها في يومي وليلتي ، لأتخلَّص منها . قلت : سبقك علماءُ سلفِ هذه الأُمَّةِ بالمُحاسبةِ الدقيقةِ والتَّنْقيبِ المُضني لأنفسِهم ﴿وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ ﴾ . قال الحسنُ البصريُّ : المسلمُ لنفسِهِ أشدُّ مُحاسَبَةً من الشريكِ لشريكِهِ . وكان الربيعُ بنُ خُثيْمٍ يكتُبُ كلامهُ من الجمعةِ إلى الجمعةِ ، فإنْ وَجَدَ حسنةً حمِد الله ، وإنْ وَجَدَ سيِّئةً استغفر . وقال أحدُ السلفِ : لي ذنبٌ منْ أربعين سنةً ، وأنا أسألُ الله أنْ يغفرهُ لي ، ولا زلتُ أُلحُّ في طلبِ المغفرةِ ﴿ وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ ﴾ . ******************************** حاسِبْ نَفْسَكَ
احتفظِ بمذكّرةٍ لديك ، لتُحاسب بها نفْشك ، وتذكر فيها السلبيَّاتِ الملازمة لك ، وتبدأ بذكْر التَّقدُّمِ في معالجتِها . قال عمرُ : حاسِبوا أنفُسكُمْ قبل أنْ تُحاسبوا ، وزِنُوها قبل أن تُوزنوا ، وتزيَّنوا للعرضِ الأكبرِ . ثلاثةُ أخطاءٍ تتكرَّرُ في حياتِنا اليومية : الأولُ : ضياعُ الوقتِ . الثاني : التَّكلُّمُ فيما لا يعني : (( مِنْ حُسْنِ إسلامِ المرءِ تركهُ ما لا يعنيهِ )) . الثالثُ : الاهتمامُ بتوافِهِ الأمورِ ، كسماعِ تخويفاتِ المُرجِفين ، وتوقُّعاتِ المثبِّطين ، وتوهُّماتِ المُوسوسِين ، كَدَرٌ عاجلٌ ، وهمٌّ معجَّلٌ ، وهو منْ عوائقِ السعادةِ وراحةِ البالِ . يقولُ امرؤُ القيسِ : ألا عِمْ صباحاً أيها الطَّللُ البالي وهلْ يعِمنْ منْ كان في العُصُر الخالي
وهلْ يعِمنْ إلا سعيدٌ منعَّمٌ
قليلُ الهموم لا يبِيتُ بأوجالِ
علَّم الرسولُ عمَّ العباس دعاءً يجمعُ سعادة الدنيا والآخرةِ ، وهو قولُه : ((اللّهم إني أسألُك العَفْوَ والعافية )) . وهذا جامعٌ مانعٌ شافٍ كافٍ فيه خيرُ العاجلِ والآجلِ . ﴿ فَآتَاهُمُ اللّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الآخِرَةِ ﴾ ، ﴿ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى ﴾ . *************************************** خُذوا حِذْرَكَمْ
منْ سعادةِ العبدِ اخْذُ الحَيْطةِ واستعمالُ الأسبابِ ، مع التَّوكُّلِ على اللهِ عزَّ وجلَّ ، فإن الرسول بارز في بعضِ الغزواتِ وعليه دِرعٌ ، وهو سيِّدُ المتوكَّلين ، وقال لأحدِهم لما قال له : أعقِلُها يا رسول اللهِ ، أوْ أتوكَّلُ ؟ قال : (( اعقِلها وتوكَّل )) . فالأخْذُ بالسببِ والتَّوكُّلُ على اللهِ قُوامُ التوحيدِ ، وترْكُ السبب مع التوكُّلِ على اللهِ قدْحٌ في الشرعِ ، وأخذُ السببِ مع ترْكِ التوكُّلِ على اللهِ قَدْحٌ في التوحيدِ . وذَكَرَ ابنُ الجوزيِّ في هذا : أنَّ رجلاً قصَّ ظفره ، فاستفحل عليه فمات ، ولم يأخُذْ بالحيْطةِ . ورجُلٌ دَخَلَ على حمارٍ منْ سردان ، فهصر بطنهُ فمات . وذكروا عنْ طه حسين – الكاتبِ المصريِّ – أنه قال لسائقِهِ : لا تُسرعْ حتى نصِل مبكِّرين . وهذا معنى مثلٍ : رُبَّ عجلةٍ تهبُ ريْثاً . قال الشاعرُ : قد يُدرِكُ المُتأنِّي بعض حاجتِه وقدْ يكونُ مع المتعجِّلِ الزَّللُ
فالتَّوقِّي لا يُعارضُ القدر ، بلْ هو منهُ ، ومنْ لُبِّهِ ﴿ وَلْيَتَلَطَّفْ ﴾ ، ﴿ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُم بَأْسَكُمْ ﴾ . ****************************************** اكْسبِ الناس
ومنْ سعادةِ العبدِ قُدرتُه على كسْبِ الناس ، واستجلاب محبَّتِهم وعطفِهم ، قال إبراهيمُ عليه السلامُ : ﴿ وَاجْعَل لِّي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ ﴾ ، قال المفسرون : الثّناءُ الحسنُ . وقال سبحانه وتعالى عنْ موسى : ﴿ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّي ﴾ . قال بعضُهم : ما رآك أحدٌ إلا أحبَّك . وفي الحديثِ الصحيحِ : (( أنتم شهداءُ اللهِ في الأرض )) . وألسنةُ الخلْقِ أقلامُ الحقِّ . وصحَّ : (( أن جبريل يُنادي في أهلِ السماءِ : إنَّ يحبُّ فلاناً فأحبُّوه ، فيُحبُّهُ أهلُ السماءِ ، ويُوضعُ له القبُول في الأرضِ )) . ومنْ أسبابِ الودِّ : بسْطةُ الوجهِ ولِينُ الكلامِ وسَعَةُ الخُلقُ . إنَّ منْ العواملِ القويةِ في جلْبِ أرواحِ الناسِ إليك : الرِّفقُ ؛ ولذلك يقولُ : (( ما كان الرِّفقُ في شيءٍ إلا زانه ، وما نُزع منْ شيءٍ إلا شانهُ )) . ويقول : (( من يُحرم الرفق ، يُحرم الخير كلّه )) . قال أحد الحكماء : الرفق يُخرج الحيَّة من جُحْرها . قال الغربيُّون : اجْنِ العسل ، ولا تَكْسِرِ الخلِيَّة . وفي الحديثِ الصحيحِ : (( المؤمُن كالنَّحْلةِ تأكلُ طيِّباً ، وتضعُ طيّباً ، وإذا وقعتْ على عودٍ ، لم تكسِرْهُ )) . ************************************ تنقَّلْ في الدِّيارِ واقرأْ آياتِ القُدرة
وممَّا يجلُب الفرح والسُّرور : الأسْفارُ والتَّنقُّلُ في الدِّيارِ ورؤيةُ الأمصارِ ، وقد سبقتْ كلمةٌ في أوّل هذا الكتابِ عنْ هذا . قال سبحانه : ﴿ انظُرُواْ مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ﴾ ، ﴿ قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا ﴾ ، ﴿ أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُواْ ﴾ . قال الشاعرُ : ولا تلبثْ بِربْعٍ فيه ضيْمٌ يُذيبُ القلب إلا إنْ كُبِلْتا
وغرِّبْ فالتَّغرُّبُ فيه نفْعٌ
وشرِّقْ إنْ بِرِِيِقك قدْ شرِقْتا
ومنْ يقرأْ رحلة ابنِ بطُّوطة ، على ما فيها من المبالغاتِ ، يجِدِ العَجَبَ العجاب مِن خلْقِ اللهِ سبحانه وتعالى ، وتصريفِه في الكونِ ، ويرى أنها من العِبر العظيمةِ للمؤمنِ ، ومن الراحةِ له أنْ يسافر ، وأنْ يغِّيرَ أجواءه ومكانه ومحلَّه ، لقرأ في هذا الكتابِ الكونيِّ المفتوحِ . يقولُ أبو تمام – وهو يتحدَّث عن التنقلِ في الدِّيارِ - : بالشَّامِ أهلي وبغدادُ الهوى وأنا بالرَّقْمتينِ وبالفسطاطِ جِيراني
﴿ قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ﴾ ، ﴿ فَسِيحُواْ فِي الأَرْضِ ﴾ ، ﴿ حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ ﴾ ، ﴿ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً ﴾ . ************************************ | |
|
| |
نسيم السحر
عدد المساهمات : 242 تاريخ التسجيل : 20/06/2009 العمر : 43 الموقع : سورية ____ حلب
| موضوع: رد: لا تحزن للشيخ / عائض القرني الخميس يونيو 25, 2009 5:00 pm | |
| تهجَّدْ مع المتهجِّديِن ومما يُسعدُ النَّفْس ويشرحُ الصدر : قيامُ الليلِ . وقدْ ذكر في الصحيح : أنَّ العبد إذا قام من الليلِ ، وذكر الله ، ثم توضَّأ وصلَّى ، أصبح نشيطاً طيِّب النفْسِ . ﴿ كَانُوا قَلِيلاً مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ ﴾ ، ﴿ وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ ﴾ . وقيامُ الليلِ يُذهبُ الدّاء عن الجسدِ ، وهو حديثٌ صحيحٌ عند أبي داود : (( يا عبدالله ، لا تُكنْ مثْل فلانٍ ، كان يقومُ الليل ، فتَركَ قيامَ الليلِ )) ، (( نِعْمَ الرجلُ عبدُاللهِ لو كان يقومُ من الليلِ )) . لا تأسفْ على الأشياءِ الفانيةِ ، كلُّ شيءٍ في هذه الحياةِ فانٍ إلا وجْههُ سبحانه وتعالى ﴿كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ ﴾ ، ﴿ كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ{26} وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ ﴾ . إنَّ الإنسان الذي يأسفُ على دنياه ، كالطِّفلِ الذي يبكي على فقْدِ لعبتِهِ . ********************************** وَقْفَـــةٌ
« كلُّ اثنينِ منهما قرينانِ ، وهما منْ آلامِ الرُّوح ومعذّباتِها ، والفرْق بينهما أنَّ الهمَّ توقُّع الشَّرِّ في المستقبلِ ، والحزُن التَّألُّمُ على حُصُولِ المكروهِ في الماضي أو فواتُ المحبوبِ ، وكلاهما تألُّمٌ وعذابٌ يرِدُ على الرُّوحِ ، فإنْ تعلَّق بالماضي سُمِّي حزناً ، وإنْ تعلّق بالمستقبلِ سُمِّي همّاً » . (( اللَّهمَّ إني أسألك العافية في الدُّنيا والآخرةِ ، اللَّهمَّ إني أسألُك العفْو والعافية في ديِني ودُنياي وأهلي ومالي ، اللهمَّ استُرْ عوراتي وآمِنْ روْعاتي ، اللهم احفظني منْ بينِ يديَّ ومِنْ خلْفي ، وعنْ يميني وعنْ شمالي ومِنْ فوقي ، وأعوذُ بعظمتك أنْ أُغْتال مِنْ تحتي )) . قال الشاعرُ : ألم تر أنَّ ربَّك ليس تٌحصى أيادِيهِ الحديثةُ والقديمهْ
تَسَلَّ عنِ الهمومِ فليس شيءٌ
يُقيِمُ ولا همومُك بالمُقيمهْ
لعلَّ الله ينظُرُ بعد هذا
إليك بنظرةٍ مِنْهُ رحيِمهْ
**************************************
ثَمَنُك الجنَّةُ
يقولُ للشاعرُ :
نفسْي التي تملِكُ الأشياء ذاهبةٌ فكيف أبكي على شيءٍ إذا ذهبا
إنَّ الدنْيا بذهبِها وفضَّتِها ومناصبِها ودُورِها وقصورِها لا تستأهلُ قطرة دمعٍ ، فعند الترمذيِّ أنَّ الرسول قال : (( الدنيا ملعونةٌ ، ملعونٌ ما فيها إلا ذكْر اللهِ ، وما والاه ، وعالماً ومتعلَّماً )) . إنها ودائعُ فحسْبُ ، كما يقولُ لبِيدُ :
وما المالُ والأهلون إلا ودِيعةٌ ولابدَّ يوماً أنْ تُردَّ الودائعُ
إن الملياراتِ والعقاراتِ والسياراتِ لا تؤخِّرُ لحظةً واحدةً منْ أجلِ العبدِ ، قال حاتمُ الطّائيُّ : لعَمْرُكَ ما يُغني الثَّراءُ عن الفتى إذا حشرجتْ يوماً وضاق بها الصَّدْرُ
ولذلك قال الحكماءُ : اجعلْ للشيء ثمناً معقولاً، فإنَّ الدنيا وما فيها لا تُساوي المؤمنِ: ﴿ وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ ﴾ . ويقولُ الحسنُ البصريُّ : لا تجعلْ لنفسِك ثمناً غير الجنةِ ، فإنَّ نفْس المؤمنِ غاليةٌ ، وبعضُهم يبيعها برُخْصٍ . إنَّ الذين ينوحون على ذهابِ أموالِهمْ وتهدُّمِ بيوتِهم واحتراقِ سياراتِهم ، ولا يأسفون ويحزنون على نقْصِ إيمانِهم وعلى أخطائِهم وذنوبِهم ، وتقصيرِهم في طاعةِ ربِّهمْ سوف يعلمون أنهمْ كانوا تافهين بقدْرِ ما ناحُوا على تلك ، ولم يأسفوا على هذهِ ؛ لأنَّ المسألة مسألةُ قيمٍ ومُثُلٍ ومواقف ورسالةٍ: ﴿إِنَّ هَؤُلَاء يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءهُمْ يَوْماً ثَقِيلاً﴾. ****************************************** الحبُّ الحقيقيُّ كُنْ منْ أولياءِ اللهِ وأحبائهِ لِتسْعدَ ، إنَّ منْ أسعْدِ السعداءِ ذاك الذي جعل هدفه الأسمى وغايتُه المنشودة حُبَّ اللهِ عزَّ وجلَّ ، وما ألْطف قولهُ : ﴿ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ ﴾ . قال بعضُهم : ليس العَجَبُ منْ قولهِ : يحبُّونه ، ولكنَّ العجب منْ قولِهِ يحبُّهم ؛ فهو الذي خلقهم ورزقهم وتولاَّهُم وأعطاهُمْ ، ثم يحبُّهم : ﴿ قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ ﴾ . وانظرْ إلى مكرُمةِ عليِّ بنِ أبي طالبٍ ، وهي تاجٌ على رأسهِ : رجلٌ يُحبُّ الله ورسوله ، ويحبُّه اللهُ ورسولهُ . إنَّ رجلاً من الصحابة أحبَّ ﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ﴾ ، فكان يردِّدُها في كلِّ ركعةٍ ، ويتَولَّهُ بذكْرِها ، ويعيدها على لسانه ، ويُشجي بها فؤاده ، ويحرِّكُ بها وجدانه ، قال له : (( حبُّك إيَّاها أدْخَلَك الجنة )) . ما أعجب بيتين كنتُ أقرؤهما قديماً ، في ترجمةٍ لأحدِ العلماءِ ، يقول : إذا كان حُبُّ الهائِمين من الورى بليلى وسلمى يسلُبُ اللُّبَّ والعقْلا
فماذا عسى أن يفعل الهائِمُ الذي
سَرَى قلبُه شوقاً على العالمِ الأعلى
﴿ وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاء اللّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُم بِذُنُوبِكُم ﴾ . إنَّ مجنون ليلى قتلهُ حبُّ امرأةٍ ، وقارون حبُّ مالٍ ، وفرعون حبُّ منصبٍ ، وقُتل حمزةُ وجعفرُ وحنظلةُ حبّاً لله ولرسوله ، فيا لبُعْدِ ما بين الفريقين . **************************************** وقفــــة
« ينتحرُ 300 ضابطِ شرطةٍ سنويّاً في أمريكا ، منهمْ عشرةٌ في نيويورك وحدها .. ومنذُ عام 1987 م يتزايدُ عدد ضُبّاط الشرطةِ المُنتحِرِين هناك .. وهي ظاهرةٌ أقلقتِ السُّلطاتِ ، وقام الاتحادُ الوطنيُّ لضبّاطِ الشرطةِ ببحْثِها . لقدْ وجد الاتحادُ أنَّ أبرز أسبابِ انتحارِ الضباطِ هو : توتُّرُ الأعصابِ الدّائمِ الذي يعيشون فيه ، فهمْ مُطالبون دائماً بالثَّباتِ في الأزماتِ ، وتحمُّلِ الضُّغوطِ المتزايدةِ مع ارتفاعِ نسبةِ الجريمةِ ، وتحمُّل الآلامِ النّاتجة عن التَّعامُلِ مع المجرمين، ورؤيةِ جثثِ الضحايا منْ أطفالٍ ونساءٍ وعجائز. والسببُ الثاني هو : وجودُ الأسلحةِ معهمْ بشكلٍ دائمٍ ، فهي تُساعدُهم أو تسهِّلُ عليهمُ عمليَّة الانتحارِ . وقد وُجد أنَّ ثمانين بالمائةِ منْ حوادثِ انتحارِ الضباطِ تتمُّ بسلاحِهم الخاصّ ، في ثلاثةِ أيامٍ متتاليةٍ انتحر ثلاثُة ضُبّاطٍ ، كلٌّ منهم بواسطِة مسدسِهِ الميري » . ******************************** شريعةٌ سهْلةٌ مُيسَّرةٌ إنَّ مما يُثلجُ صدر المسلم ظاهرةُ اليُسْرِ والسَّماحةِ في الشريعةِ الإسلاميةِ ﴿ طه{1} مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى﴾ ، ﴿ وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى﴾ ، ﴿ لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا﴾ ، ﴿ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا مَا آتَاهَا ﴾ ، ﴿ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ﴾ ، ﴿ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ ﴾ ، ﴿ فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً{5} إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً﴾ ، ﴿ رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنتَ مَوْلاَنَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ﴾ . (( رُفع عنْ أُمَّتي الخطأُ والنسيانُ وما استُكْرِهُوا عليهِ )) ، (( إنَّ الدِّين يُسْرٌ ، ولنْ يُشادَّ الدين أحدٌ إلاَّ غلبه )) ، سدِّدُوا وقارِبُوا وأبشِرُوا )) ،(( بُعثتُ بالحنيفيِّة السِّمْحةِ )) ، (( خَيْرُ دينكم أيْسَرُه )) . عُرِضتْ على شاعرٍ معاصرٍ في دولةٍ وزارةٌ يتولاَّها ، على أنْ يترُك طموحاتِه ورسالاتِه وأطرُوحاتِه الحقَّةِ ، فقال : خُذوا كلَّ دنياكُمُ واتركُوا فؤادي حُراً طليِقاً غريبا
فإنِّي أعْظمُكم ثروةً
وإنْ خِلْتُمُوني وحيداً سليِنا
******************************************** | |
|
| |
نسيم السحر
عدد المساهمات : 242 تاريخ التسجيل : 20/06/2009 العمر : 43 الموقع : سورية ____ حلب
| موضوع: رد: لا تحزن للشيخ / عائض القرني الخميس يونيو 25, 2009 5:02 pm | |
| أُسُسٌ للرّاحةِ
في مجلّةِ ( أهلاً وسهلاً ) بتاريخ 3 / 4 / 1415هـ مقالةٌ بعنوان « عشرون وصفةٍ لتجنُّبِ القلق » بقلم د . حسان شمسي باشا . من معاني هذه المقالةِ : إنَّ الأجلَ قد فُرِغ منهُ ، وإنَّ كلَّ شيءٍ بقضاءٍ وقدرٍ ، فلا يأْسفِ العبدُ ، ولا يحزنْ على ما يجري . إنَّ رزق المخلوقِ عند الخالقِ في السماءِ ، فلا يملكُه أحدٌ ، ولا يتصرَّفُ فيه قومٌ ، ولا يمنعُه إنسانٌ . وإنَّ الماضي قدْ ذَهَبَ بهمومِه وغمومِه ، وانتهى فلنْ يعود، ولو اجتمع العالمُ بأسْرِه على إعادتِه . وإنَّ المستقبل في عالمِ الغيْبِ ، ولم يحضرْ إلى الآن ، ولم يستأذِن عليك ، فلا تسْتدْعِهِ حتى يأتي . وإنَّ الإحسان إلى الناسِ يُضفي على القلبِ سروراً ، وعلى الصدرِ انشراحاً ، وهو يعودُ على مُسديِه أعْظَمَ بركةٍ وثوابٍ وأجرٍ وراحةٍ ممنْ أُسدي إليهِ . ومنْ شِيم المؤمنِ عدمُ الاكتراثِ بالنقْدِ الجائر الظالمِ ، فلمْ يَسْلَمْ من السَّبِّ والشَّتْمِ حتى ربُّ العالمين ، الذي هو الكاملُ الجليلُ الجميلُ ، تقدَّستْ أسماؤُه . قلتُ في أبياتٍ لي : فعلام تَحْرِقُ أدمُعاً قد وُضِّئتْ ويظلُّ يُقْلِقُ قلْبَك الإرهابُ
وكِّلْ بها ربّاً جليلاً كلَّما
نام الخلِيُّ تَفَتَّحتْ أبوابُ
************************************* احْذرِ العِشق
إياك وعِشْق الصُّورِ ، فإنَّها همٌّ حاضِر ، وكَدَرٌ مستمرٌّ . منْ سعادةِ المسلمِ يُعدُه عنْ تأوُّهاتِ الشعراءِ وولهِهِم وعشقِهم ، وشكواهُم الهجْر والوصْل والفراق ، فإنَّ هذا منْ فراغ القلبِ ﴿ أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً ﴾ . وأنا الذي جَلَبَ المنيَّة طَرْفُهُ فمنِ المُطالبُ والقتيلُ القاتِلُ
والمعنى : إنني أستحقُّ وأستأهلُ ما ذُقتُ من الألمِ والحسرةِ ؛ لأنني المتسبِّبُ الأعظمُ فيما جرى لي . وآخرُ أندلسٌّ يتباهى بكثرةِ هيامِه وعشقِه وولهِهِ ، فيقولُ : شكا ألم الفِراقِ النَّاسُ قبْلي ورُوِّع بالجوى حيٌّ وميْتُ
وأمّا مِثْلما ضمَّتْ ضلوعي
فإنِّي ما سمعتُ ولا رأيْتُ
ولو ضمَّ بين ضلوعهِ التقوى والذْكر وروحانيّةً وربّانيّةً ، لَوَصَلَ إلى الحقِّ ، ولَعَرَ الدليل ، ولأبصر الرُّشد ، ولَسَلَك الجادَّة : ﴿ وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ ﴾ ، ﴿إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ ﴾ . إنَّ ابن القيِّمِ عالج هذهِ المسألة علاجاً شافياً كافياً في كتابِهِ (الداءُ والدواءُ) فليُرْجَعْ إليهِ. إن للعشق أسباباً منها : 1. فراغُ منْ حُبِّه سبحانه وتعالى وذكْرِهِ وشُكرِه وعبادتِهِ . 2. إطلاقُ البصرِ ، فإنهُ رائدٌ يجلبُ على القلبِ أحزاناً وهموماً : ﴿ قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ﴾، ((النظرةُ سهمٌ منْ سهامِ إبليس)). وأنت متى أرسلت طرْفك رائداً
إلى كلِّ عينٍ أتعبتْكَ المناظِرُ
رأيت الذي لا كُلُّه أنت قادرٌ
عليه ولا عنْ بعضِهِ أنت صابِرُ
3. التقصيرُ في العبوديَّةِ ، والتقصيرُ في الذِّكْرِ والدُّعاءِ والنوافلِ ﴿ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ ﴾ . أمَّ دواءُ العِشْقِ ، فمنْهُ : ﴿ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ ﴾ . 1. الانطراحُ على عتباتِ العبوديِّةِ ، وسؤالُ المولى الشِّفاء والعافية . 2. وغضُّ البصرِ وحفْظُ الفرْجِ ﴿ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ﴾ ، ﴿ وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ ﴾ . 3. وهجْرُ ديارِ منْ تعلَّق بهِ القلبُ ، وتركُ بيتهِ وموطنِهِ وذكْرِهِ . 4. والاشتغالُ بالأعمالِ الصالحةِ : ﴿ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً ﴾ . 5. والزَّواجُ الشَّرْعيُّ ﴿ فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء ﴾ ، ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا ﴾ ، (( يا معشر الشبابِ ، منِ استطاع منكمُ الباءة فليتزوَّجْ )) . **************************************** حقوقُ الأخوَّةِ
مما يُسعدُ أخاك المسلم أنْ تُناديهِ بأحبِّ الأسماءِ إليهِ . أُكْنِيهِ حين أُناديِه لأُكرِمهُ ولا أُلقِّبُهُ والسَّوْءَةُ اللَّقبُ
وأنْ تهشَّ وتَبَشَّ في وجهِه (( ولو أنْ تلْقى أخاك بوجه طلْقٍ )) ، (( تبسُّمُك في وجهِ أخيك صدقةٌ )) . وأنْ تشجِّعهُ على الحديثِ معك – أي تتركَ له فرصةً ليتكلَّم عنْ نفسِه وعن أخبارِهِ – وتأل عنْ أمورِه العامّةِ والخاصّةِ ، التي لا حَرَجَ في السؤالِ عنها ، وأنْ تهتمّ بأموره (( منْ لم يهتمَّ بأمرِ المسلمين فليس منهمْ )) ، ﴿ وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ ﴾ . ومنها : أنْ لا تلومه ولا تعْذله على شيءٍ مضى وانتهى ، ولا تحرجه بالمزاحِ : (( لا تُمارِ أخاك ولا تُمازِحْه ، ولا تعِدهُ موعداً فتُخْلِفه )) . ************************************* « أسرارٌ في الذنوبِ .. ولكنْ لا تذنبْ ! »
ذكر بعضُ أهلِ العلمِ : أنَّ الذنب كالختْمَ على العبد ، ومنْ أسرارها بعد التوبةِ : قصْمُ ظهر العُجْبِ ، وكثرةُ الاستغفارِ والتوبةُ والإنابةُ والتَّوجُّهُ والانكسارُ والندامة ، ووقوع القضاءِ والقدرِ ، والتَّسليمُ بعبوديَّةِ مُقابلةِ القضاءِ والقدرِ . ومنها : تحقُّقُ أسماءِ اللهِ الحسنى وصفاتِه العُلى مثلِ : الرحيمِ والغفورِ والتَّوّابِ . ************************************* اطْلُبِ الرزق ولا تحرِصْ سبحان الخالقِ الرازقِ ، أعطى الدودةَ رزقها في الطَّينِ ، والسمكة في الماءِ ، والطائرَ في الهواءِ ، والنملةَ في الظَّلماءِ ، والحيَّة بين الصخورِ الصَّمّاءِ . ذَكَرَ ابنُ الجوزيِّ لطيفةً من اللَّطائفِ : أنَّ حيَّةُ عمياء كانتْ في رأسِ نخلةٍ ، فكان يأتيها عصفورٌ بلحمٍ في فمِه ، فإذا اقترب منها وَرْوَرَ وصفَّرَ ، فتفتحُ فاها ، فيضعُ اللحم فيهِ سبحان منْ سخرَّ هذا لهذِه ﴿ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُم ﴾ . وإذا ترى الثعبان ينفُثُ سُمَّهُ فاسألهُ منْ ذا بالسُّمومِ حشاكا
واسألهُ كيف تعيشُ يا ثعبانُ أو
تحيا وهذا السُّمُّ يَمْلأُ فاكا
كانتْ مريمُ عليها السلامُ يأتيها رزقُها في المحرابِ صباح مساء ، فقيل لها : ﴿ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَـذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ إنَّ اللّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾ . لا تحزنْ فرزقُك مضمونٌ ﴿ وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلاَدَكُم مِّنْ إمْلاَقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ ﴾ . لتعلم البشريَّةُ أنَّ رازق الوالدِ ، هو الذي لم يلدْ ولمْ يولدْ . ﴿ وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم ﴾ إنَّ صاحب الخزائنِ الكبرى جلَّ في علاهُ قد تكفَّل بالرزقِ ، فِبم القلقُ والزعيمُ بذلك اللهُ ؟! ﴿ فَابْتَغُوا عِندَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ ﴾ . ﴿ وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ ﴾ . ***************************************** وقفـــة
« أمّا الصلاةُ فشأُنها في تفريغِ القلبِ وتقويتِه ، وشرْحِه ، وابتهاجهِ ولذَّتِه ، أكبَرْ شأنٍ ، وفيها اتِّصالُ القلبٍ والرُّوحِ باللهِ ، وقُربِه والتَّنعُّمِ بذكرِهِ ، والابتهاجِ بمُناجاتِه ، والوقوفِ بين يديْهِ ، واستعمالِ جميعِ البدنِ وقُواهُ وآلاتِهِ في عبوديَّتِهِ ، وإعطاءِ كلِّ عضو حظَّه منها ، واشتغالِه عن التَّعلُّقِ بالخلقِ ومُلابستِهم ومُحاوَرَتِهم ، وانجذاب قوى قلبِهِ وجوارحِهِ إلى ربِّه وفاطرِهِ ، وراحتهِ منْ عدوِّه حالة الصلاةِ ما صارتْ بهِ منْ أكبرِ الأدويةِ والمفرحاتِ والأغذيِةِ التي لا تُلائمُ إلا القلوب الصحيحة . وأمّا القلوبُ العليلةُ فهي كالأبدانِ ، لا تُناسبها إلاَّ الأغذيةُ الفاضلةُ » . « فالصلاةُ منْ أكبرِ العوْنِ على تحصيلِ مصالحِ الدنيا والآخرةِ ، ودفْع مفاسِد الدنيا والآخرةِ ، وهي منْهاةٌ عن الإثْمِ ، ودافعةٌ لأدواءِ القلوبِ ، ومطْردةٌ للداءِ عن الجسدِ ، ومُنَوِّرةٌ للقلبِ ، ومُبيِّضةٌ للوجهِ ، ومنشِّطةٌ للجوارحِ والنفْسِ ، وجالِبةٌ للرزقِ ، ودافعةٌ للظُّلْمِ ، وناصِرةٌ للمظلوم ، وقامعةٌ لأخلاطِ الشّهواتِ ، وحافظةٌ للنعمةِ ، ودافعةٌ للنقمةِ ، ومُنزلةٌ للرحمةِ ، وكاشفةٌ للغُّمةِ » . ************************************* | |
|
| |
نسيم السحر
عدد المساهمات : 242 تاريخ التسجيل : 20/06/2009 العمر : 43 الموقع : سورية ____ حلب
| موضوع: رد: لا تحزن للشيخ / عائض القرني الخميس يونيو 25, 2009 5:03 pm | |
| شريعةٌ سَمْحةٌ
ممَّا يُفرِّحُ العبد المسلم ، ما في الشريعةِ من الثَّوابِ الجزيلِ والعطاءِ الضخْمِ ، يتجلَّى ذلك في المكفِّراتِ العشْرِ ، كالتوحيدِ وما يكفِّرُه من الذنوبِ . والحسناتِ الماحيةِ ، كالصلاةِ ، والجمعةِ إلى الجمعةِ ، والعمرةِ إلى العمرةِ ، والحجِّ ، والصومِ ، ونحو ذلك من الأعمالِ الصالحةِ . وما هناك منْ مُضاعَفَةِ الأعمالِ الصالحةِ ، كالحسنةِ بعشرِ أمثالِها إلى سبعمائةِ ضِعفٍ إلى أضعافٍ كثيرةٍ . ومنها التوبةُ تجُبُّ ما قبلها من الذنوبِ والخطايا . ومنها المصائبُ المكفِّرةُ فلا يصيبُ المؤمن منْ أذىً إلا كفَّرَ اللهُ بهِ منْ خطاياهُ . ومنها دعواتُ المسلمين لهُ بظهْرِ الغيبِ . ومنها ما يُصيبُه من الكرْبِ وقت الموتِ . ومنها شفاعةُ المسلمين له وقت الصلاةِ عليهِ . ومنها شفاعةُ سيِّد الخلقِ ، ورحمةُ أرحم الراحمين تبارك وتعالى ﴿ وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا ﴾ ، ﴿ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً ﴾ . ***************************************** ﴿ لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنتَ الْأَعْلَى ﴾
أوجس موسى في نفسِهِ خِيفةً ثلاث مرَّاتٍ : الأولى : عندما دخل ديوان الطاغيةِ فرعون ، فقال : ﴿ إِنَّنَا نَخَافُ أَن يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَن يَطْغَى ﴾ ، قال اللهُ : ﴿ قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى ﴾ . وحقِيقٌ بالمؤمنِ أن تكون في ذاكرتهِ وفي خلدِه : لا تخفْ ، إنني أسمعُ وأرى . والثانية : عندما ألقى السحرةُ عِصِيَّهم ، فأوْجس في نفسِه خيِفةً موسى . فقال الله تعالى : ﴿ لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنتَ الْأَعْلَى ﴾ . الثالثةُ : لما أتْبعهُ فرعونٌ بجنودِه ، فقال له اللهُ : ﴿اضْرِب بِّعَصَاكَ ﴾ وقال موسى: ﴿كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ ﴾ . ************************************* إياك وأربعاً
أربعٌ تُورثُ ضنْكَ المعيشةِ وكَدَرَ الخاطرِ وضيِقَ الصَّدْرِ : الأولى : التَّسخُّطُ من قضاءِ اللهِ وقدرِه ، وعَدَمُ الرِّضا بهِ . الثانيةُ : الوقوعُ في المعاصي بلا توبةٍ ﴿ قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ ﴾ ،﴿ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ ﴾ . الثالثةُ : الحقدُ على الناسِ ، وحُبُّ الانتقامِ منهمْ ، وحَسَدُهم على ما آتاهُمُ اللهُ منْ فضلِه ﴿ أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ ﴾ ، (( لا راحة لحسودِ )) . الرابعةُ : الإعراضُ عنْ ذكرِ اللهِ ﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً ﴾ . ******************************************
اسكُنْ إلى ربِّك
راحةُ العبدِ في سكونِه إلى ربِّه سبحانه وتعالى . وقد ذَكَرَ اللهُ السكينةَ في مواطن منْ كتابِه عزَّ من قائلٍ ، فقال : ﴿ َأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ ﴾ ، ﴿ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ ﴾ ، ﴿ ثُمَّ أَنَزلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ ﴾ ، ﴿ فَأَنزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ ﴾ . والسَّكينةُ هي ثباتُ القلبِ إلى الرَّبّ ، أو رسوخُ الجنان ثقةً بالرحمنِ ، أو سُكُونُ الخاطرِ توكُّلاً على القادرِ . والسكينةُ هدوءُ لواعِجِ النفْسِ وسكونُها ، واستئناسُها ورُكُودُها وعدمُ تفلُّتِها ، وهي حالةٌ من الأمنِ ، يَحْظَىَ بها أهلُ الإيمانِ ، تُنقذُهُمْ منْ مزالقِ الحيْرةِ والاضطرابِ ، ومهاوي الشَّكِّ والتَّسخُّطِ ، وهي بحسب ولايةِ العبدِ لربِّه ، وذكْرِه وشُكرِه لمولاهُ ، واستقامتِه على أمرهِ ، واتِّباعِ رسولِهِ ، وتمسُّكِه بهدْيِه ، وحبِّه لخالقِهِ ، وثقتِه في مالكِ أمرهِ ، والإعراضِ عمَّ سواهُ ، وهجْر ما عداهُ، لا يدعو إلا الله، ولا يعبدُ إلا أياهُ ﴿ يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ ﴾ . ***************************************** كلمتان عظيمتان
قال الإمامُ أحمد : كلمتان نفعني اللهُ بهما في المحنةِ الأولى : لرجُلٍ حُبس في شربِ الخمْرِ ، فقال : يا أحمدُ ، اثبتْ ، فإنك تُجلدُ في السُّنَّةِ ، وأنا جُلِدُتُ في الخمرِ مراراً ، وقدْ صبرْتُ . ﴿ إِن تَكُونُواْ تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللّهِ مَا لاَ يَرْجُونَ ﴾ ، ﴿ فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ ﴾ . الثانيةُ : لأعرابيٍّ قال للإمامِ أحمد – والإمامُ أحمدُ قدْ أُخِذَ إلى الحبْسِ ، وهو مقيَّدٌ بالسلاسلِ : يا أحمدُ ، اصبرْ ، فإنَّما تُقتل منْ هنا ، وتدخُلُ الجنة منْ هنا . ﴿ يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُم بِرَحْمَةٍ مِّنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَّهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُّقِيمٌ ﴾ . ******************************************* منْ فوائدِ المصائبِ
استخرجُ مكنونِ عبوديةِ الدعاءِ ، قال أحدُهم : سبحان منِ استخرج الدعاء بالبلاءِ . وذكَرُوا في الأثرِ : أنَّ الله ابتلى عبداً صالحاً منْ عبادِهِ ، وقال لملائكتِه : لأسمع صوتهُ . يعني : بالدعاءِ والإلحْاحِ . ومنها : كَسْرُ جماحِ النفسِ وغيِّها ؛ لأنَّ الله يقول : ﴿ كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَى{6} أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى ﴾ . ومنها : عطفُ الناسِ وحبُّهم ودعاؤُهم للمصابِ ، فإنَّ الناس يتضامنون ويتعاطفون مع منْ أُصيب ومنِ ابتُلي . ومنها : صرْفُ ما هو أعظمُ منْ تلك المصيبةِ ، فغنها صغيرةٌ بالنسبةِ لأكبر منها ، ثمَّ هي كفَّارةٌ للذنوبِ والخطايا ، وأجرٌ عند اللهِ ومثوبةٌ . فإذا عَلِمَ العبدُ أنَّ هذه ثمارُ المصيبةِ أنس بها وارتاح ، ولم ينزعجْ ويَقْنطْ ﴿ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾ . ************************************ العلم هُدى وشِفاءٌ :
ذَكَرَ ابنُ حزمٍ في ( مُداواة النفوس ) أنَّ منْ فوائدِ العلمِ : نَفْيَ الوسواسِ عن النَّفْسِ ، وطرْدَ الهمومِ والغمومِ والأحزانِ . وهذا كلامٌ صحيحٌ خاصَّةً لمنْ أحبَّ العِلْم وشغف به وزاولهُ ، وعمل به وظهر عليه نفْعُه وأثرُه . فعلى طالبِ العلمِ أن يوزِّع وقته ، فوقتٌ للحفْظِ والتكرارِ والإعادةِ ، ووقتٌ للمطالعةِ العامَّةِ ، ووقتٌ للاستنباطِ ، ووقتٌ للجَمْعِ والتَّرتيبِ ، ووقتٌ للتأمُّلِ والتدبُّرِ . فكُنْ رجُلاً رِجْلُه في الثَّرى وهامةُ هِمَّتِهِ في الثُّريَّا
******************************************* عسى أن يكون خيراً
للسيوطي كتابٌ بعنوان ( الأرجُ في الفرج ) : ذَكَرَ منْ كلامِ أهلِ العلمِ ما مجموعُه يُفيدُنا أنَّ المحَابَّ كثيرةٌ في المكارهِ ، وأنَّ المصائب تُسفرُ عن عجائب وعن رغائب لا يُدركُها العبدُ ، إلا بعد تكشُّفِها وانجلائِها . لعَمْرُك ما يدري الفتى كيف يتَّقي نوائب هذا الدَّهرِ أمْ كيف يحْذرُ
يرى الشيء ممَّا يُتَّقى فيخافُه
وما لا يرى مما يقِي اللهُ أَكْبَرُ
****************************************** السعادةُ موهبةٌ ربَّانيَّة
ليس عجباً أنْ يكون هناك نفرٌ من الناسِ يجلسون على الأرصفةِ ، وهم عُمَّالٌ لا يجدُ احدُهم إلا ما يكفي يومه وليلته ، ومع ذلك يبتسمون للحياةِ ، صدورُهم منشرِحةٌ وأجسامُهم قويةٌ ، وقلوبُهم مطمئنَّةٌ ، وما ذلك إلا لأنَّهم عَرَفوا أنَّ الحياة إنما هي اليومُ ، ولم يشتغلوا بتذكُّرِ الماضي ولا بالمستقبلِ وإنما أفنوْا أعمارهم في أعمالِهم . وما أُبالي إذا نفسي تطاوعُني على النَّجاةِ بمنْ قدْ عاش أو هلكا
وقارِنْ بين هؤلاء وبين أناسٍ يسكنون القصور والدُّور الفاخرة ، ولكنَّهمْ بَقُوا في فراغٍ وهواجس ووساوس ، فشتتهُمُ الهمُّ ، وذهب بهم كلَّ مذهبِ . لحا اللهُ ذي الدِّنيا مُناخاً لراكِبٍ فكُلُّ بعيدٍ الهمِّ فيها مُعذَّبُ
********************************************* الذِّكْرُ الجميلُ عمرٌ طويلٌ
منْ سعادِة العبدِ المسلمِ أنْ يكون لهُ عمرٌ ثانٍ ، وهو الذِّكْرُ الحسنُ ، وعجباً لمنْ وجد الذكْر الحسنَ رخيصاً ، ولمْ يشترِهِ بمالِه وجاهِه وسعيِه وعملِه . وقدْ سبق معنا أنَّ إبراهيم عليهِ السلامُ طلب منْ ربِّه لسان صدْقٍ في الآخرِين ، وهو : الثَّناءُ الحسنُ ، والدعاءُ له . وعجبْتُ لأُناسٍ خلَّدوا ثناءً حسناً في العالمِ بحُسْنِ صنيعهِم وبكرمهِم وبذْلِهم ، حتى إنَّ عُمَرَ سأل أبناء هرِم بنِ سنانٍ : ماذا أعطاكمْ زهيرٌ ، وماذا أعطيتُموهُ ؟ قالوا : مَدَحَنا ، وأعطيناهُ مالاً . قال عمرُ : ذهب واللهِ ما أعطيتموهُ ، وبقي ما أعطاكمْ . يعني : الثناءُ والمديحُ بقي لهمْ أبد الدّهرِ . أولى البرِيَّةِ طُرَّا أنْ تُواسِيهُ عند السُّرورِ الذي واساك في الحزنِ
إن الكرام إذا ما أُرسِلُوا ذكرُوا
منْ كان يألفُهم في المنزلِ الخشنِ
****************************************** | |
|
| |
نسيم السحر
عدد المساهمات : 242 تاريخ التسجيل : 20/06/2009 العمر : 43 الموقع : سورية ____ حلب
| موضوع: رد: لا تحزن للشيخ / عائض القرني الخميس يونيو 25, 2009 5:07 pm | |
| أُمَّهاتُ المراثي
هناك ثلاثُ قصائد خلَّدتْ منْ قِيلتْ فيهم : ابنُ بقيَّة الوزيرُ الشهيرُ ، قتلهُ عَضُدُ الدولةِ ، فرثاهُ أبو الحسنِ الأنباريُّ بقصيدتِه الرائعةِ العامرةِ ، ومنها : عُلُوٌّ في الحياةِ وفي المماتِ لحقٌّ تِلْك إحدى المُعجزاتِ
كأنَّ الناس حوْلك حين قاموا
وفودُ نداك أيام الصِّلاتِ
كأنَّك واقِفٌ فيهم خطيباً
وهمْ وقفُوا قِياماً للصَّلاةِ
مددت يديْك نحوهمُو اختفاءً
كمدِّهما إليهمْ بالهِباتِ
ولما ضاق بطنُ الأرضِ عنْ أنْ
يُواروا فيه تلك المكْرُماتِ
أصاروا الجوَّ قبرك واستعاضوا
عليك اليوم صوت النّائِحاتِ
وما لك تُربةٌ فأقولُ تُسقى
لأنَّك نُصْب هطْلِ الهاطِلاتِ
عليك تحيَّة الرحمنِ تتْرى
بتبريكِ الفؤادِ الرّائِحاتِ
لِعظْمِك في النُّفُوسِ تباتُ تُرعى
بحُراسٍ وحُفَّاظٍ ثقاتِ
وتُوقدُ حولك النيرانُ ليلاً
كذلك كُنت أيام الحياةِ
ما أجمل العباراتِ ، وما أجمل الأبياتِ ، وما أنْبَلَ هذهِ المُثُل ، وما أضخم هذهِ المعاني . الله ما أجْملها من أوسمةٍ ، وما أحسنها من تِيجان !! لمَّا سمع هذه الأبيات عضدُ الدولة الذي قتلهُ ، دمعتْ عيناه وقال : وددتُ واللهِ أنني قُتلتُ وصُلِبْتَ ، وقيِلتْ فيَّ . ويُقتلُ محمدُ بنُ حميدٍ الطوسيُّ في سبيلِ اللهِ ، فيقولُ أبو تمام يرثيه : كذا فليجلَّ الخطبُ وليَفْدحِ الأمرُ
فليْس لِعَيْنٍ لم يفِضْ ماؤها عُذْرُ
تُوفِّيتِ الآمالُ بعد محمَّدٍ
وأصبح في شُغلٍ عن السَّفرِ السَّفرُ
تردَّ ثياب الموت حُمْراً فما دَجَى
لها الليلُ إلا وهي منْ سُنْدُسٍ خُضْرُ
إلى آخرِ ما قال في تلك القصيدةِ الماتِعةِ ، فسمِعها المعتصمُ ، وقال : ما مات من قِيلتْ فيه هذهِ الأبياتُ . ورأيتُ كريماً آخر في سلالةِ قُتيبة بنِ مسلمٍ القائدِ الشهيرِ ، هذا الكريمُ بذل ماله وجاههُ ، وواسى المنكوبين ، ووقف مع المصابين وأعطى المساكين ، وأطعم الجائعين ، وكان ملاذاً للخائفين ، فلمَّا مات ، قال أحدُ الشعراء : مضى ابنُ سعيدٍ حين لم يبق مشرِقٌ ولا مغرِبٌ غلاَّ لهُ فيهِ مادحُ
وما كنتُ أدري ما فواضِلُ كفِّهِ
على الناسِ حتى غيَّبتْهُ الصَّفائحُ
وأصبح في لحدٍ مِن الأرضِ ضيِّقٍ
وكانتْ به حيّاً تضِيقُ الصَّحاصحُ
سأبكيك ما فاضتْ دموعي فإنْ تفِضْ
فحسْبُك مني ما تجِنُّ الجوابِحُ
فما أنا مِنْ رُزْءٍ وإنْ جلَّ جازِعٌ
ولا بسرورٍ بعد موتِك فارِحُ
كأنْ لم يُمتْ حيٌّ سواك ولم تقُمْ
على أحدٍ إلا عليك النَّوائِحُ
لئنْ عظُمتْ فيك المراثي وذكْرُها
لقد عظمتْ مِنْ قبلُ فيك المدائحُ
وهذا أبو نواس يكتبُ تاريخ الخصيبِ أميرِ مِصْرِ، ويسجِّل في دفترِ الزمانِ اسمه فيقولُ : إذا لم تزُرْ أرض الخصيبِ ركابُنا فأيَّ بلادٍ بعدهنَّ تزورُ
فما جازهُ جودٌ ولا حلَّ دونه
ولكنْ يسيرُ الجودُ حيثُ يسيرُ
فتىً يشتري حُسْن الثَّناءِ بمالِه
ويعلمُ أنَّ الدَّائراتِ تدورُ
ثم لا يذكُرُ الناسُ منْ حياةِ الخصيبِ ، ولا منْ أيامِه إلا هذهِ الأبيات . ********************************************* وقفــــــةٌ
((اللهمَّ اقِسمْ لنا مِنْ خشيتِك ما تحُولُ به بيننا وبين معاصيك ، ومنْ طاعتِك ما تُبلُغُنا به جنَّتك ، ومن اليقينِ ما تُهوِّنُ به علينا مصائب الدنيا ، ومتِّعْنا بأسماعِنا وأبصارِنا وقوَّتِنا ما أحْييْتنا ، واجْعلْه الوارِث منا ، واجعلْ ثأرنا على منْ ظَلَمَنا ، وانصُرْنا على منْ عادانا ، ولا تجعلْ مصيبتنا في ديننِا ، ولا تجعلِ الدُّنيا أكبر همنا ، ولا مبلغ عِلْمِنا ، ولا تُسلِّطْ علينا بذنوبنا منْ لا يرحمُنا )) . قال عليُّ بنُ مقلة : إذا اشتملتْ على اليأسِ القلوبُ وضاق لما بهِ الصَّدرُ الرَّحيبُ
وأوْطنتِ المكارهُ واطمأنَّتْ
وأرستْ في أماكنِها الخطوبُ
ولم تر لانكشافِ الضُّرِّوجهاً
ولا أغنى بحِيلتِهِ الأريبُ
أتاك على قُنُوطِك منهُ غَوْثٌ
يمُنُّ به القريبُ المُستجيِبُ
وكُلُّ الحادثاتِ وإن تناهتْ
فموصولٌ بها فرجٌ قريبُ
\ \ ********************************************
أنْصِتْ لكلامِ اللهِ
هدِّئ أعصابك بالإنصاتِ إلى كتابِ ربِّك ، تلاوةً مُمتعةً حسنةً مؤثِّرةً منْ كتابِ اللهِ ، تسمعُها منْ قارئٍ مجوِّدٍ حَسَنِ الصوتِ ، تصلُك على رضوانِ اللهِ عزَّ وجلَّ ، وتُضفي على نفسِك السكينة ، وعلى قلبِك يقيناً وبرداً وسلاماً . كان يحبُّ أنْ يسمع القرآن منْ غيرِهِ ، وكان يتأثَّرُ إذا سمع القرآن منْ سواهُ ، وكان يطلُبُ منْ أصحابِه أنْ يقرؤوا عليهِ ، وقد أُنزل عليهِ القرآنُ هو ، فيستأنسُ ويخشعُ ويرتاحُ . إنَّ لك فيهِ أسوةً أنْ يكون لك دقائقُ ، أو وقتٌ من اليومِ أو الليلِ ، تفتحُ فيهِ المذياع أو مسجّلاً ، لتستمع إلى القارئِ الذي يعجبُك ، وهو يتلو كلام اللهِ عزَّ وجلَّ . إنَّ ضجَّة الحياةِ وبلبلة الناسِ ، وتشويش الآخرين ، كفيلٌ بإزعاجِك ، وهدِّ قُواك ، وبتشتيتِ خاطرِك . وليس لك سكينةٌ ولا طمأنينةٌ ، إلاَّ في كتابِ ربِّك وفي ذكرِ مولاك : ﴿الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ﴾ . يأمرُ ابن مسعودٍ ، فيقرأ عليه منْ سورةِ النساءِ ، فيبكي حتى تنهمر دموعُه على خدِّه ، ويقولُ : (( حسْبُك الآن )) . ويمرُّ بأبي موسى الأشعريِّ ، وهو يقرأُ في المسجدِ ، فيُنصتُ لهُ ، فيقولُ له في الصباحِ : (( لو رأيتني البارحة وأنا أستمعُ لقراءتِك )) ، قال أبو موسى : لو أعلمُ يا رسول الله أنك تستمعُ لي ، لحبَّرْتُهُ لك تحبيراً . عند ابن أبي حاتم يمرُّ بعجوزٍ ، فيُنصت إليها منْ وراءِ بابها ، وهي تقرأُ ﴿ هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ ﴾ ، تعيدُها وتكرِّرُها ، فيقولُ : (( نعم أتاني ، نعم أتاني )) . إنَّ للاستماعِ حلاوةً ، وللإنصاتِ طلاوةً . أحدُ الكُتاّبِ اللامعين المسلمين سافر إلى أوربا ، فأبحر في سفينةٍ ، وركبتُ معه امرأةٌ منْ يوغسلافيا ، شيوعيَّةٌ فرَّتْ منْ ظُلمٍ ومنْ قهرِ تيتو ، فأدركتْه صلاةُ الجمعةِ مع زملائِه ، فقام فخطبهم ، ثم صلَّى بهمْ وقرأ سورة الأعلى والغاشية ، وكانتِ المرأةُ لا تجيدُ العربية ، كانتْ تُنصتُ إلى الكلام وإلى الجرْسِ وإلى النَّغمةِ ، وبعد الصلاةِ سألتْ هذا الكاتب عن هذهِ الآياتِ ؟ فأخبرها أنها من كلامِ اللهِ عزَّ وجَّل ، فبقيتْ مدهوشةً مذهولةً ، قال : ولم تمكنّي لغتي لأدعُوها إلى الإسلامِ : ﴿ قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَـذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً ﴾ . إنَّ للقرآنِ سلطاناً على القلوبِ ، وهيبةٌ على الأرواحِ ، وقوةً مؤثَّرةً فاعلةً على النفوسِ. عجبتُ لأناسٍ من السلفِ الأخبارِ ، ومن المتقدِّمين الأبرار، انهدُّوا أمام تأثيرِ القرآن ،وأمام إيقاعاتِه الهائلةِ الصادقةِ النافذةِ : ﴿ لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُّتَصَدِّعاً مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ ﴾ . فذاك عليُّ بنُ الفُضيل بن عياضٍ يموتُ لمَّا سمع أباه يقرأُ : ﴿ وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ{24} مَا لَكُمْ لَا تَنَاصَرُونَ ﴾ . وعمرُ رضي اللهُ عنه وأرضاهُ منْ سماعِه لآيةٍ ، ويبقى مريضاً شهراً كاملاً يُعادُ ، كما يُعادُ المريضُ ، كما ذكر ذلك ابنُ كثيرٍ . ﴿ وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى ﴾ . وعبدُاللهِ بنُ وهبٍ ، مرَّ يوم الجمعةِ فسمع غلاماً يقرأُ : ﴿ وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ... ﴾ فأُغمي عليه ، ونُقل إلى بيتهِ ، وبقي ثلاثة أيامٍ مريضاً ، ومات في اليوم الرابعِ . ذَكَرَه الذهبيُّ . وأخبرني عالمٌ أنه صلَّى في المدينةِ ، فقرأ القارئُ بسورةِ الواقعةِ ، قال : فأصابني من الذهولِ ومن الوجلِ ما جعلني اهتزُّ مكاني ، وأتحرَّكُ بغيرِ إرادةٍ مني ، مع بكاءٍ ، ودمعِ غزيرٍ . ﴿ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ ﴾ . ولكنْ ما علاقةُ هذا الحديثِ بموضوعِنا عنِ السعادةِ ؟! إنَّ التشويش الذي يعيشُه الإنسانُ في الأربعِ والعشرين ساعةً كفيلٌ أنْ يُفقِده وعيهُ ، وأن يُقلقه ، وأن يُصيبه بالإحباطِ ، فإذا رَجَعَ وأنصت وسَمَعَ وتدبَّر كلام المولى ، بصوتٍ حسنٍ منْ قارئٍ خاشعٍ ، ثاب إليه رُشدُه ، وعادتْ إليه نفسهُ ، وقرَّتْ بلابلهُ ، وسكنتْ لواعِجُه . إنني أُحذَّرك بهذا الكلامِ عنْ قومٍ جعلُوا الموسيقى أسباب أُنسِهمْ وسعادتِهمْ وارتياحِهم ، وكتبُوا في ذلك كُتُباً ، وتبجَّح كثيرٌ منهمْ بأنَّ أجمل الأوقات وأفضل الساعات يوم يُنصت إلى الموسيقى ، بلْ إنَّ الكُتَّاب الغربيين الذين كتبُوا عن السعادةِ وطردِ القلقِ يجعلون منْ عواملِ السعادةِ الموسيقى . ﴿ وَمَا كَانَ صَلاَتُهُمْ عِندَ الْبَيْتِ إِلاَّ مُكَاء وَتَصْدِيَةً ﴾ ، ﴿ سَامِراً تَهْجُرُونَ ﴾ . إنَّ هذا بديلٌ آثِم ، واستماعٌ محرَّم ، وعندنا الخيْرُ الذي نزل على محمدٍ ، والصِّدقُ والتوجيهُ الرَّاشدُ الحكيمُ ، الذي تضمَّنه كتاب اللهِ عزَّ وجلَّ : ﴿ لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ﴾ . فسماعٌنا للقرآنِ سماعٌ إيمانيٌّ شرعيٌّ محمديٌّ سنيٌّ ﴿ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ الْحَقِّ ﴾ ، وسماعُهم للموسيقى سماعٌ لاهٍ عابثٌ ، لا يقومُ به إلا الجَهَلةُ والحمقى والسُّفهاءُ من الناسِ ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ ﴾ . ***************************************** | |
|
| |
نسيم السحر
عدد المساهمات : 242 تاريخ التسجيل : 20/06/2009 العمر : 43 الموقع : سورية ____ حلب
| موضوع: رد: لا تحزن للشيخ / عائض القرني الخميس يونيو 25, 2009 5:09 pm | |
| كلٌّ يبحثُ عنِ السعادةِ ولكنْ
للعالمِ الإسكافيِّ كتابٌ بعنوان ( لُطْفُ التدبيرِ ) وهو كتابٌ جمُّ الفائدةِ ، أخَّاذٌ جذَّابٌ جلاَّبٌ ، مؤدَّى الكلامِ فيه البحثُ عن السيادةِ والسعادةِ والرِّيادةِ ، فإذا الاحتيالُ والمكرُ والدهاءُ ، وضَرْبٌ من السياسةِ ، وأفانينُ من الالتواءِ ، فَعًَلها كثيرٌ من الملوكِ والرؤساءِ ، والأدباءِ والشعراءِ ، وبعضِ العلماءِ ، كلُّهم يريدُ أنْ يهدأ وأنْ يرتاح ، وأنْ يحصل على مطلوبهِ ، حتى إنّهُ منْ عناوينِ هذا الكتابِ : في لطفِ التدبيرِ ، تسكيرُ شغْبٍ ، وإصلاحُ نِفارٍ أو ذاتِ بيْن ، ماذا يفعلُ المنهزمُ في مكائدِ الأعداءِ ، مُكايَدَةُ صغيرٍ لكبيرٍ ، في دفعِ مكروهٍ بقولٍ ، في دفعِ مكروهٍ بمكروهٍ ، في دفعِ مكروهٍ بلُطفٍ ، في لُطفِ التدبيرِ في دفعِ مكروهٍ ، في مُداراةِ سلطانٍ ، في الانتقامِ منْ سالِب مُلكٍ ، في الخلاصِ منْ نِقْمةٍ في الفتْكِ والاحترازِ منُه في إظهارِ أمرٍ لإخفاءِ غيرِه . إلى آخرِ تلك الأبوابِ . ووجدتُ أنَّ الجميع كلَّهمْ يبحثون عنِ السعادِة والاطمئنانِ ، ولكنْ قليلٌ منهمْ منِ اهتدى إلى ذلك ووُفِّق لنيْلِها . وخرجتُ من الكتابِ بثلاثِ فوائد : الأولى : أنَّ منْ لم يجعلِ الله نصب عينيه ، عادتْ فوائدُه خسائِر وأفراحُه أتراحاً ، وخيراتُه نكباتٍ ﴿ سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ ﴾ . الثانيةِ : أنَّ الطرق الملتوية الصَّعْبة التي يسعى إليها كثيرٌ من الناسِ في غيرِ الشريعةِ ، لنيلِ السعادةِ ، يجدونها – بطُرُقٍ أسهَلَ وأقرَبَ – في طريق الشرعِ المحمديِّ ، ﴿ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُواْ مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً ﴾ فينالون خَيْرَ الدنيا وخَيْرَ الآخرةِ . الثالثةِ : أنَّ أُناساً ذهبتْ عليهمْ دنياهم وأخراهم ، وهمْ يظُنُّون أنهم يُحسنون صُنعاً ، وينالون سعادةً ، فما ظفرُوا بهذه ولا بتلك ، والسببُ إعراضُهم عن الطريقِ الصحيحِ الذي بعث اللهُ به رُسُلَهُ ، وأنزل به كتبه ، وهي طلبُ الحقِّ ، وقولُ الصدْقِ ، ﴿ َتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً لاَّ مُبَدِّلِ لِكَلِمَاتِهِ ﴾ . كان أحدُ الوزراءِ في لهوهِ وطربِه ، فأصابه غمٌّ كاتِمٌ ، وهمٌّ جاثِمٌ فصرخ : ألا موتٌ يُباعُ فأشترِيهِ فهذا العيشُ ما لا خير فيهِ
إذا أبصرتُ قبراً من بعيدٍ
وددتُ لو أنني ممَّا يليِهِ
ألا رحِم المهيمنُ نفْس حُرٍّ
تصدَّق بالوفاةِ على أخيهِ
************************************** نعيمٌ وجحيمٌ
نشرتْ الصحفُ العالميةُ خبراً عن انتحارِ رئيسِ وزراءِ فرنسا في حُكمِ الرئيسِ ميتران ، والسببُ في ذلك أنَّ بعض الصحفِ الفرنسية شنَّتْ عليهِ غارةً من النقْدِ والشتْمِ والتَّجريحِ ، فلمْ يجدْ هذا المسكينُ إيماناً ولا سكينةً ولا استقراراً يعودُ إليه ، ولم يجدْ منْ يركنُ إليه ، فبادر فأزْهَقَ رُوحَه . إنَّ هذا الرجل المسكين الذي أقدم على الانتحارِ لم يهتدِ بالهدايةِ الرَّبّانيَّةِ المتمثَّلةِ في قولِهِ سبحانه : ﴿ وَلاَ تَكُ فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ ﴾ وقولِه سبحانه : ﴿ لَن يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذًى ﴾ ، وقوله : ﴿ وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً ﴾ ، لأنَّ الرجل فَقَدَ مفتاح الهدايةِ ، وطريق السَّدادِ وسبيل الرَّشادِ : ﴿ مَن يُضْلِلِ اللّهُ فَلاَ هَادِيَ لَهُ ﴾ . إنَّ منْ وصايا الآخرين لكلِّ مُثْقلٍ بالهمِّ والحزنِ ، أنْ يأمروه بالجلوسِ على ضفافِ النهرِ ، ويستمتع بالموسيقى ، ويلعب النَّرْد ، ويتزلَّج على الثْلجِ . لكنْ وصايا أهل الإسلامِ ، وأهلَ العبوديَّةِ الحقَّةِ : جلسةٌ بين الأذانِ والإقامِة في روضةٍ منْ رياضِ الجنَّةِ ، وهتافٌ بذِكرِ الواحد الأحدِ ، وتسليمٌ بالقضاءِ والقدرِ ، ورضاً بما قسم اللهُ ، وتؤكُّلٌ على اللهِ جلَّ وعلا . ************************************ ﴿ أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ ﴾
نَزَلَ هذا الكلامُ على رسولِ اللهِ فتحقَّقتْ فيه هذهِ الكلمةُ ، فكان سهل الخاطرِ ، منشرح الصدرِ ، متفائلاً ، جيَّاشَ الفؤادِ ، حيَّ العاطفةِ ، ميسَّراً في أمورِهِ ، قريباً من القلوبِ ، بسيطاً في عظمةٍ ، دانياً من الناسِ في هيبةٍ ، متبسماً في وقارٍ ، متحبباُ في سموٍّ ، مألوفاً للحاضر والبادي ، جمَّ الخُلُقِ ، طلْقَ المُحيَّا ، مشرق الطلْعةِ ، غزير الحياءِ ، يهشُّ للدُّعابةِ ، ويَبَشُّ للقادِم ، مسروراً بعطاءِ اللهِ ، جذِلاُ بالهِباتِ الرَّبانيَّةِ ، لا يعتريه اليأسُ ، ولا يعرفُ الإحباط ، ولا يخلدُ إلى التَّخْذِيلِ ، ولا يعترفُ بالقنوطِ ، ويُعجبُه الفألُ الحسنُ ، ويكرهُ التَّعمُّق والتَّشدُّق ، والتَّفيْهُق والتَّكلُّف والتَّنطُّع ؛ لأنهُ صاحبُ رسالةٍ ، وحاملُ مبدأ ، وقدوةُ أُمَّةٍ ، وأُسوةُ أجيالٍ ، ومعلِّمُ شعوبٍ ، وربُّ أسرةٍ ، ورجُلُ مجتمعٍ ، وكنْز مُثُلٍ ، ومَجْمَعُ فضائل ، وبحرُ عطايا ، ومشرِقُ نورٍ . إنه باختصارٍ : ميسرٌ لليُسرى ، ، وإنه بإيجازٍ ﴿ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ ﴾ أو بعبارةٍ أخرى : ﴿ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ ﴾ وكفى !! ﴿ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً{45} وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُّنِيراً ﴾ . إنَّ مما يُعارضُ الرسالة الميسَّرة السهلة : تنطُّعُ الخوارجِ ، وتزندُقُ أهلِ المنطقِ عبيدِ الدنيا ، وانحرافُ مرتزقةِ الأفكار ﴿ فَهَدَى اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ لِمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللّهُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ﴾ . ****************************************** مفهومُ الحياةِ الطَّيِّبةِ
يقولُ أحدُ أذكياءِ الإنكليزِ : بإمكانك وأنت في السجنِ منْ وراءِ القضبانِ الحديديةِ أنْ تنظُرَ إلى الأُفُقِ ، وأنْ تُخْرِج زهرةً منْ جيبِك فتشُمَّها وتبتسم ، وأنت مكانك ، وبإمكانِك وأنت في القصْرِ على الديباج والحريرِ ، أنْ تحتدَّ وأنْ تغضب وأنْ تثور ساخطاً منْ بيتِك وأسرتِك وأموالِك . إذنْ السعادةُ ليستْ في الزمانِ ولا في المكانِ ، ولكنَّها في الإيمانِ ، وفي طاعةِ الدَيَّانِ ، وفي القلبِ . والقلبُ محلُّ نظرِ الرَّبَّ ، فإذا استقرَّ اليقينُ فيه ، انبعثتِ السعادةُ ، فأضفتْ على الروح وعلى النفسِ انشراحاً وارتياحاً ، ثمَّ فاضتْ على الآخرين ، فصارتْ على الظِّرابِ وبطونِ الأودية ومنابتِ الشجرِ . أحمدُ بنُ حنبل عاش سعيداً ، وكان ثوبُه أبيض مرقَّعاً ، يخيطُه بيدِهِ ، وعندهُ ثلاثُ غُرفٍ منْ طينٍ يسكُنها ، ولا يجدُ إلا كِسرَ الخُبْزِ مع الزيتِ ، وبقي حذاؤه – كما قال المترجمون عنهُ – سبع عشرة سنةً يرقِّعها ويخيطُها ، ويأكلُ اللحم في شهرٍ مرَّةً ويصومُ غالب الأيامِ ، يذرعُ الدنيا ذهاباً وإياباً في طلَبِ الحديثِ ، ومع ذلك وجد الراحة والهدوء والسكينة والاطمئنان ؛ لأنهُ ثابتُ القدم ، مرفوعُ الهامةِ ، عارفٌ بمصيرِه ، طالبٌ لثوابٍ ، ساعٍ لأجرٍ ، عاملٌ لآخرةٍ ، راغبٌ في جنَّةٍ . وكان الخلفاءُ في عهدِه – الذين حكموا الدنيا – المأمونُ ، والواثقُ ، والمعتصمُ ، والمتوكلُ عندهم القصورُ والدُّورُ والذهبُ والفضةُ والبنودُ والجنودُ ، والأعلامُ والأوسمةُ والشاراتُ والعقاراتُ ، ومعهمْ ما يشتهون ، ومع ذلك عاشُوا في كَدَرٍ ، وقَضَوْا حياتَهم في همٍّ وغمٍّ ، وفي قلاقل وحروبٍ وثوراتٍ وشَغَبٍ وضجيجٍ ، وبعضُهم كان يتأوَّهُ في سكراتِ الموتِ نادماً على ما فرَّط ، وعلى ما فعل في جنبِ اللهِ . ابنُ تيمية شيخُ الإسلامِ ، لا أهل ولا دار ولا أسرة ولا مال ولا منصب ، عندهُ غرفةٌ بجانبِ جامعِ بني أمية يسكنُها ، ولهُ رغيفٌ في اليومِ ، وله ثوبانِ يغيِّر هذا بهذا ، وينامُ أحياناً في المسجدِ ، ولكنْ كما وَصَف نفسه : جنَّتُه في صدرِه ، وقتْلُه شهادةٌ ، وسجْنه خِلْوةٌ ، وإخراجهُ منْ بلدِهِ سياحةٌ ؛ لأن شجرة الإيمانِ في قلبِهِ استقامتْ على سُوقِها ، تُؤتي أُكُلَها كلَّ حينٍ بإذنِ ربِّها يمُدُّها زيتُ العنايةِ الربانيةِ ، ﴿ يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاءُ ﴾ ، ﴿ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ ﴾ ،﴿ وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْواهُمْ ﴾ ،﴿ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ ﴾ . خرج أبو ذرٍّ رضي اللهُ عنه وأرضاهُ إلى الرَّبذةِ ، فنصب خيمتهُ هناكَ ، وأتى بامرأتِه وبناتِهِ ، فكان يصومُ كثيراً من الأيامِ ، يذكُرُ مولاهُ ، ويسبِّحُ خالقهُ ، ويتعبَّدُ ويقرأُ ويتلو ويتأمَّلُ ، لا يملكُ من الدنيا إلا شمْلةً أو خيمةً ، وقطعةً من الغنمِ مع صحْفةٍ وقصْعةٍ وعصا ، زارَهُ أصحابُه ذات يوم ، فقالوا : أين الدنيا؟ قال : في بيتي ما أحتاجُه من الدنيا ، وقدْ أخبرنا أنَّ أمامنا عقبةً كؤوداً لا يجيزُها إلا المُخِفُّ . كان منشرحَ الصدرِ ، ومنثلج الخاطرِ ، فعندهُ ما يحتاجُه من الدنيا ، أمّا ما زاد على حاجتِه ، فأشغالٌ وتبِعاتٌ وهمومٌ وغمومٌ . قلتُ في قصيدةٍ بعنوان : أبو ذرٍّ في القرن الخامسِ عَشَرَ ، متحدِّثاً عنْ غُربةِ أبي ذرٍّ وعن سعادتِه ، وعن وحدتِه وعزلتِه ، وعن هجرتِه بروحِه ومبادئِه ، وكأنه يتحدثُ عن نفسِه : لاطفُوني هدَّدْتُهم هدَّدُوني بالمنايا لاطفتُ حتى أحسَّا
أركبُوني نزلتُ أركبُ عزْمي
أنزلُوني ركِبتُ في الحقِّ نفْسا
أطرُدُ الموت مُقْدِماً فيُولِّي
والمنايا أجتاحُها وهْي نعْسَى
قد بكتْ غربتي الرمالُ وقالتْ
يا أبا ذرٍّ لا تخفْ وتأسَّا
قلتُ لا خوف لم أزلْ في شبابٍ
مِنْ يقيني ما مِتُّ حتى أُدسَّا
أنا عاهدتُ صاحِبِي وخليلي
وتلقَّنْتُ منْ أمالِيهِ درْسا
*************************************************** | |
|
| |
نسيم السحر
عدد المساهمات : 242 تاريخ التسجيل : 20/06/2009 العمر : 43 الموقع : سورية ____ حلب
| موضوع: رد: لا تحزن للشيخ / عائض القرني الخميس يونيو 25, 2009 5:12 pm | |
| إذنْ فما هي السعادةُ ؟! (( كنْ في الدنيا كأنك غريبٌ أو عابرُ سبيل )) ، (( فطوبى للغرباءِ )) .
ليسِ السعادةُ قصر عبدِالملك بنِ مروان ، ولا جيوش هارونِ الرشيدِ ولا دُور ابنِ الجصَّاصِ ، ولا كنوز قارون ، ولا في كتابِ الشفاءِ لابنِ سينا ، ولا في ديوانِ المتنبي ، ولا في حدائقِ قرطبة ، أو بساتينِ الزهراءِ . السعادةُ عند الصحابِة مع قلَّةِ ذاتِ اليدِ ، وشظفِ المعيشةِ ، وزهادهِ المواردِ ، وشُحِّ النَّفقةِ . السعادةُ عند ابنِ المسيبِ في تألُّهِه ، وعند البخاري في صحيحِهِ ، وعند الحسنِ البصريِّ في صِدْقِهِ ، ومع الشافعيِّ في استنباطاتِه ، ومالكٍ في مُراقبتِه ، وأحمد في ورعِهِ ، وثابتٍ البنانيِّ في عبادتهِ ﴿ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لاَ يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلاَ نَصَبٌ وَلاَ مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَطَؤُونَ مَوْطِئاً يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلاَ يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَّيْلاً إِلاَّ كُتِبَ لَهُم بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ ﴾ . ليستِ السعادةُ شيكاً يُصرفُ ، ولا دابةً تُشترَى ، ولا وردةً تُشَمّ ، ولا بُرّاً يُكالُ ، ولا بزّاً يُنشرُ . السعادةُ سلوةُ خاطرٍ بحقٍّ يحمِلُه ، وانشراحُ صدرٍ لمبدأ يعيشُه، وراحةُ قلبٍ لخيرٍ يكْتنِفُه. كنّا نظُنُّ أننا إذا أكثْرنا من التوسٌّعِ في الدُّوِر ، وكثْرةِ الأشياءِ ، وجمْعِ المسهِّلاتِ والمرغِّباتِ والمشتهياتِ ، أننا نسعدُ ونفرحُ ونمرحُ ونُسرُّ ، فإذا هي سببُ الهمِّ والكَدَرِ والتنغيصِ ؛ لأنَّ كلَّ شيءٍ بهمِّه وغمِّه وضريبةِ كدِّهِ وكدْحِهِ ﴿ وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ ﴾ . إنَّ أكبر مُصلِحٍ في العالمِ رسولُ الهدى محمدٌ ، عاش فقيراً ، يتلوَّى من الجوعِ ، لا يجدُ دقْلَ التمرِ يسدُّ جوعه ، ومع ذلك عاش في نعيمٍ لا يعلمُه إلا اللهُ ، وفي انشراحٍ وارتياحٍ ، وانبساطٍ واغتباطٍ ، وفي هدوءٍ وسكينةٍ ﴿ وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ{2} الَّذِي أَنقَضَ ظَهْرَكَ ﴾ ، ﴿ وَكَانَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً ﴾ ، ﴿ اللّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ ﴾ . في الحديثِ الصحيحِ : (( البِرُّ حُسْنُ الخُلُقِ ، والإثم ما حاك في صدرِك وكرهْت أن يطلع عليه الناسُ )) . إنَّ البرَّ راحةٌ للضميرِ ، وسكونٌ للنفسِ ، حتى قال بعضُهم : البرُّ أبقى وإنْ طال الزَّمانُ به والإثمُ أقبحُ ما أوعيت منْ زادِ
وفي الحديث : (( البرُّ طُمأنينةٌ ، والإثم ريبةٌ )) . إنَّ المحسن صراحةً يبقى في هدوءٍ وسكينةٍ ، وإنَّ المريب يتوجَّسُ من الأحداثِ والخطراتِ ومن الحركاتِ والسَّكناتِ ﴿يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ ﴾ . والسببُ أنه أساء فحسْبُ ، فإنَّ المسيء لابدَّ أنْ يقلق وأنْ يرتبِك وأنْ يضطرب ، وأنْ يتوجَّس خِيفةً . إذا ساءِ فِعْلُ المرءِ ساءتْ ظنونُهُ وصدَّق ما يعتادُهُ مِنْ تَوَهُّمِ
والحلُّ لمنْ أراد السعادة ، أنْ يُحْسن دائماً ، وأنْ يتجنَّب الإساءة ، ليكون في أمنٍ ﴿الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَـئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ ﴾ . أقبل راكبٌ يحثُّ السير ، يثورُ الغبارُ منْ على رأسِهِ ، يريدُ سعد بن أبي وقَّاصٍ ، وقدْ ضرب سعدٌ خيمتهُ في كبِدِ الصحراءِ ، بعيداً عنِ الضجيجِ ، بعيداً عنِ اهتماماتِ الدَّهْماءِ ، منفرداً بنفسِهِ وأهلِهِ في خيمتِهِ ، معهُ قطيعٌ من الغنمِ ، فاقترب الراكبُ فإذا هو ابنُه عُمَرُ ، فقال ابنُه له : يا أبتاهُ ، الناسُ يتنازعون الملك وأنت ترعى غنمك . قال : أعوذُ باللهِ منْ شرِّك ، إني أولى بالخلافةِ منِّي بهذا الرداءِ الذي عليَّ ، ولكن سمعتُ الرسول يقولُ : (( إنَّ الله يحبُّ العبد الغنيَّ التَّقيَّ الخفيَّ )) . إن سلامة المسلمِ بدينِه أعْظمُ منْ مُلكِ كسرى وقيصر ؛ لأنَّ الدين هو الذي يبقى معك حتى تستقرَّ في جناتِ النعيمِ ، وأما الملكُ والمنصبُ فإنَّهُ زائلٌ لا محالة ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ ﴾ . ******************************************* إليهِ يصعدُ الكلِمُ الطَّيَّبُ
كان للصحابةِ كنوزٌ من الكلماتِ المباركاتِ الطَّيِّباتِ ، التي عَّمهم إياها صفوةُ الخلْقِ . وكلُّ كلمةٍ عند أحدِهم خيرٌ من الدنيا وما فيها ، ومِنْ عظمتِهمْ معرفتُهم بقيمةِ الأشياءِ ومقاديرِ الأمورِ . أبو بكرٍ يسألُ الرسول أنْ يُعلِّمه دعاءً ، فقال له : (( قلْ : ربِّ إني ظلمتُ نفسي ظُلماً كثيراً ، ولا يغفرُ الذنوب غلا أنت ، فاغفرْ لي مغفرةً منْ عندِك وارحمني ، إنك أنت الغفورُ الرحيمُ )) . ويقولُ للعباسِ : (( اسألِ الله العفو والعافية )) . ويقولُ لعليٍّ : (( قلْ : اللَّهمَّ اهدنِي وسدِّدْني )) . ويقولُ لعبيدِ بنِ حصينٍ : (( قلْ : اللهمَّ ألهمْنِي رُشدي ، وقِنِي شرَّ نفسْي )) . ويقولُ لشدَّادِ بن أوسٍ : (( قلْ : اللهمَّ إني أسالُك الثبات في الأمر ، والعزيمة على الرشدِ ، وشُكرَ نعمتِك ، وحُسْنَ عبادتِك ، وأسألُك قلباً سليماً ، ولساناً صادقاً ، وأسألُك مِنْ خَيْرِ ما تعْلمُ ، وأعوذُ بك منْ شرِّ ما تعلمُ ، وأستغفرُك لما تعلمُ ، إنك أنت علاَّمُ الغيوبِ )) . ويقولُ لمعاذٍ : (( قلْ : اللهمَّ أعني على ذكرِك وشُكْرِك وحُسْنِ عبادتِك )) . ويقولُ لعائشة : (( قولي : اللهم إنك عفُوٌّ تحبُّ العَفْوَ ، فاعْفُ عنِّي )) . إنَّ الجامعَ لهذهِ الأدعيةِ : سؤالُ رضوانِ اللهِ عزَّ وجلَّ ورحمتِهِ في الآخرةِ ، والنَّجاةِ منْ غضبِه ، وأليمِ عقابِه ، والعونِ على عبادتِه سبحانه وتعالى وشكرِه . وإنَ الرّابط بينها : طَلَبُ ما عند اللهِ ، والإعراضُ عمَّ في الدنيا . إنهُ ليس فيها طلبُ أموالِ الدنيا الفانيةِ ، وأعراضِها الزائلِة ، أو زخرِفها الرخيصِ . ************************************** ﴿ وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ ﴾
إنَّ منْ تعِاسةِ العبدِ ، وعثْرةِ قدمِهِ وسقوطِ مكانتِهِ : ظُلمُهُ لعبادِ اللهِ ، وهضْمُهُ حقوقهم ، وسحْقُه ضعيفهم ، حتى قال أحدُ الحكماءِ : خفْ ممَّن لم يجدْ له عليك ناصراً إلا الله . ولقدْ حفظ لنا تاريخُ الأممِ أمثلةً في الأذهانِ عنْ عواقبِ الظَّلمةِ . فهذا عامرُ بنُ الطفيل يكيد للرسول ، ويحاولُ اغتيالهُ ، فيدعو عليه ، فيبتليه اللهُ بغدَّةٍ في نحْرِه ، فيموتُ لساعتِه ، وهو يصرخُ من الألمِ . وأربدُ بنُ قيسٍ يؤذي رسول اللهِ ، ويسعى في تدبيِر قتْلِهِ ، فيدعو عليه ، فيُنزلُ اللهُ عليه صاعقةً تحرقُه هو وبعيرُه . وقبل أنْ يقتُل الحجاجُ سعيد بن جبيرٍ بوقتٍ قصيرٍ ، دعا عليه سعيدٌ وقال : اللَّهمَّ لا تسلِّطْهُ على أحدٍ بعدي . فأصاب الحجاجَ خُرَّاجٌ في يدهِ ، ثمَّ انتشر في جسمِهِ ، فأخذ يخوُر كما يخورُ الثورُ ، ثم مات في حالةٍ مؤسفةٍ . واختفى سفيانُ الثوريُّ خَوْفاً منْ أبي جعفرِ المنصورِ ، وخرج أبو جعفر يريدُ الحرمَ المكِّيَّ وسفيانُ داخل الحرمِ ، فقام سفيانُ وأخذ بأستارِ الكعبةِ ، ودعا الله عزَّ وجلَّ أن لا يُدِخِلَ أبت جعفر بيته ، فمات أبو جعفر عند بئرِ ميمونٍ قبل دخولِه مكَّةَ . وأحمدُ بن أبي دؤادٍ القاضي المعتزليُّ يُشاركُ في إيذاءِ الإمامِ أحمدِ بن حنبل فيدعو عليهم فيُصيبُه اللهُ بمرض الفالجِ فكان يقول : أمَّا نصفُ جسمي ، فلوْ وقع عليه الذبابُ لظننتُ أنَّ القيامة قامتْ ، وأمَّا النصفُ الآخرُ ، فلو قُرِض بالمقاريض ما أحسستُ . ويدعو أحمدُ بنُ حنبل أيضاً على ابن الزَّيّاتِ الوزيرِ ، فيسلِّطُ اللهُ عليه منْ أخذَهُ ، وجعَلَهُ في فرنٍ من نارٍ ، وضرب المسامير في رأسِه . وحمزةُ البسيونيُّ كان يعذِّبُ المسلمين في سجنِ جمالِ عبدِالناصر ، ويقولُ في كلمةٍ له مؤذية : « أين إلُهكمْ لأضعَهُ في الحديدِ » ؟ تعالى اللهُ عمَّا يقولُ الظالمون علوّاً كبيراً . فاصطدمتْ سيارتُه – وهو خارجٌ من القاهرةِ إلى الإسكندريةِ – بشاحنةٍ تحملُ حديداً ، فدخل الحديدُ في جسمه منْ أعلى رأسِهِ إلى أحشائِه ، وعَجَزَ المنقذون أنْ يُخرجوُه إلا قطعاً ﴿وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لَا يُرْجَعُونَ ﴾ ، ﴿ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً ﴾ . وكذلك صلاحُ نصرٍ منْ قادةِ عبدِالناصرِ ، وممَّنْ أكثرَ في الأرضِ الظلُّم والفساد ، أصيب بأكثر منْ عشرةِ أمراضٍ مؤلمةٍ مُزمِنةٍ ، عاش عدَّة سنواتٍ منْ عمرِهِ في تعاسةٍ ، ولم يجدْ لهُ الطبُّ علاجاً ، حتى مات سجيناً مزجوجاً بهِ في زنزاناتِ زعمائِه الذين كان يخدمُهمْ . ﴿ الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ{11} فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ{12} فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ ﴾ ، (( إنَّ الله ليُمْلي للظالمِ ، حتى إذا أخذهُ لم يُفْلِتْه )) ، (( واتَّقِ دعوة المظلومِ ، فإنه ليس بينها وبين اللهِ حجابٌ )) . قال إبراهيمُ التيميُّ : إنَّ الرجل ليظلمُني فأرحَمُهُ . وسُرقتْ دنانيرُ لرجلٍ صالح منْ خراسان ، فجعل يبكي ، فقال له الفضيلُ : لِم تبكي ؟ قال : ذكرتُ أنَّ الله سوف يجمعُني بهذا السارقِ يوم القيامةِ ، فبكيتُ رحمةً له . واغتاب رجُلٌ أحد علماءِ السلفِ ، فأهدى للرجُلِ تمراً وقال : لأنهُ صنع لي معروفاً . ***************************************** | |
|
| |
نسيم السحر
عدد المساهمات : 242 تاريخ التسجيل : 20/06/2009 العمر : 43 الموقع : سورية ____ حلب
| موضوع: رد: لا تحزن للشيخ / عائض القرني الخميس يونيو 25, 2009 5:13 pm | |
| قلتُ : بالبابِ أنا
على هيئةِ الأممِ المتحدةِ بنيويورك لوحةٌ ، مكتوبٌ عليها قطعةٌ جميلةٌ للشاعرِ العالميِّ السعدي الشيرازي ، وقدْ ترجمتْ إلى الإنجليزيةِ وهي تدعو إلى الإخاءِ والأُلفةِ والاتحادِ ، يقول:
قال لي المحبوبُ لمَّا زرتُهُ منْ ببابي قلتُ بالبابِ أنا
قال لي أخطأت تعريف الهوى
حينما فرَّقت فيه بيْنَنَا
ومضى عامٌ فلمَّا جئتُهُ
أطرُقُ الباب عليه مُوهِنا
قال لي منْ أنتَ قلتُ أنْظُرْ فما
ثم َّ إلاَّ أنتَ بالبابِ هُنا
قال لي أحسنت تعريف الهوى
وعَرَفْتَ الحُبَّ فادخُلْ يا أنا
لابُدَّ للعبد منْ أخٍ مفيدٍ يأنسُ إليه ، ويرتاحُ إليه ، ويُشاركُه أفراحهُ وأتراحهُ ، ويبادلُه ودّاً بودٍّ . ﴿ وَاجْعَل لِّي وَزِيراً مِّنْ أَهْلِي{29} هَارُونَ أَخِي{30} اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي{31} وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي{32} كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيراً{33} وَنَذْكُرَكَ كَثِيراً ﴾ . ولابدُّ منْ شكوى إلى ذي قرابةٍ يُواسيك أو يُسلِيك أو يَتَوجَّعُ
﴿ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ ﴾ ، ﴿ كَأَنَّهُم بُنيَانٌ مَّرْصُوصٌ ﴾ ، ﴿ وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ ﴾ ، ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ﴾ . ****************************************** لابدَّ منْ صاحبٍ
إنَّ منْ أسبابِ السعادةِ أنْ تجد منْ تنفعُك صُحبتُه ، وتُسعدُك رفقتُه . (( أين المتحابُّون في جلالي ، اليوم أُظِلُّهمْ في ظِلِّي يوم لا ظِلَّ إلا ظلِّي )) . (( ورجلانِ تحابَّا في اللهِ ، اجتمعا عليهِ وتفرَّقا عليِه )) . ******************************************* الأمْنُ مطلبٌ شرعيٌّ وعقليٌّ
﴿ أُوْلَـئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ ﴾ ، ﴿ الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ﴾ ، ﴿أَوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَماً آمِناً﴾ ، ﴿ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِناً ﴾ ، ﴿ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ﴾ . (( منْ بات آمِناً في سِرْبِهِ ، مُعافىً في بدنِهِ ، عنده قُوتُ يومِهِ ، فكأنَّما حِيزتْ له الدنيا بحذافيرِها )) . فأمنُ القلبِ : إيمانُه ورسوخُه في معرفةِ الحقِّ ، وامتلاؤُه باليقينِ . وأمْنُ البيتِ : سلامتُه من الانحرافِ ، وبُعْدُه عنِ الرذيلةِ ، وامتلاؤُهُ بالسكينةِ ، واهتداؤه بالبرهانِ الرَّبّانيِّ . وأمْنُ الأمةِ : جمْعُها بالحبِّ ، وإقامةُ أمرِها بالعَدْلِ ، ورعايتُها بالشريعةِ . والخوف عدوُّ الأمنِ ﴿ فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفاً يَتَرَقَّبُ ﴾ ، ﴿ فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ﴾ . ولا راحة لخائفٍ ولا أمْن لملحِدٍ ، ولا عيش لمريضٍ .
إنَّما العُمرُ صحَّةٌ وكفافٌ فإذا وليا عن العُمرِ ولَّى
للهِ ما أتْعسَ الدَّنيا ، إنْ صحَّتْ منْ جانبٍ فسدتْ منْ جانبٍ آخر ، إنْ أقبل المالُ مَرِضَ الجسمُ ، وإنْ صحَّ الجسمُ حلَّتِ المصائبُ ، وإنْ صلُح الحالُ واستقام الأمرُ حلَّ الموتُ . خرج الشاعرُ الأعشى منْ ( نجدٍ ) إلى الرسولِ يمتدحُه بقصيدةٍ ويسلمُ ، فعرض له أبو سفيان فأعطاهُ مائة ناقةٍ ، على أنْ يترك سفَرَهُ ويعود إلى ديارِهِ ، فأخذ الإبل وعاد ، وركب أحدها فهو جلتْ به ، فسقط على رأسِهِ ، فاندقَّتْ عنقُهُ ، وفارق الحياة ، بلا دينٍ ولا دنيا. أمَّ قصيدتُه التي هيَّأها ليقولها بين يديْ رسول اللهِ ، فهي بديعةُ الحُسْنِ يقولُ فيها:
شبابٌ وشيبٌ وافتقارٌ وثروةٌ فللّهِ هذا الدَّهرُ كيف تردَّدا
إذا أنت لمْ ترْحلْ بزادٍ من التُّقى
ولاقيت بعد الموتِ منْ قدْ تزوَّدا
ندمْت على أنْ لا تكون كمثْلِهِ
وأنَّك لمْ تُرْصِدْ لما كان أرْصدَا
*************************************** أمجادٌ زائلةٌ
إنَّ منْ لوازمِ السعادةِ الحقَّةِ أنْ تكون دائمةً تامَّةً ، فدوامُها أنْ تكون في الدنيا والآخرةِ ، في الغيبِ والشهادةِ ، اليوم وغداً . وتمامُها أنْ لا يُنغِّصها نكَدٌ ، وأنْ لا يخْدشَ وجهُ محاسِنها بسخطٍ . جلس النعمانُ بنُ المنذرِ – ملكُ العراقِ – تحت شجرةٍ متنزَّهاً يشربُ الخَمْرَ فأراد عديُّ بنُ زيد – وكان حكيماً – أنْ يعظه بلفظٍ فقال له : أيُّها الملكُ ، أتدري ماذا تقولُ هذهِ الشَّجرةُ ؟ قال الملكُ : ماذا تقول : قال عديٌّ : تقولُ : رُبَّ ركبِ قدْ أناخُوا حولنا يمْزُجُون الخمر بالماءِ الزُّلالْ
ثمَّ صاروا لَعِب الدَّهْرُ بهمْ
وكذاك الدَّهرُ حالاً بعد حالْ
فتنغصُ النعمانُ ، وترك الخمر ، وبقي متكدِّراً حتى مات . وهذا شاهُ إيران الذي احتفل بمرورِ ألفينِ وخمسمائةِ سنةٍ على قيام الدولةِ الفارسيِّةِ ، وكان يُخطِّطُ لتوسيعِ نفوذِه ، وبسْطِ ملكهِ على بقعةٍ أكبر منْ بلدِهِ ، ثم يُسلب سلطانُه بين عشيَّةٍ وضحاها ﴿ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء ﴾ . ويطرُدُ منْ قصورِهِ ودُورِهِ ودنياه طرداً ، ويموتُ مشرَّداً بعيداً محرُوماً مفلساً ، لا يبكي عليه أحدٌ : ﴿ كَمْ تَرَكُوا مِن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ{25} وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ{26} وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ ﴾ . وكذلك شاوشيسكو رئيسُ رومانيا ، الذي حكم اثنتين وعشرين سنة ، وكان حَرَسُه الخاصُّ سبعين ألفاً ، ثمَّ يحيطُ شعبُه بقصرِهِ ، فيمزِّقونهُ وجنودهُ إرباً إرباً ﴿ فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ المُنتَصِرِينَ ﴾ . لقدْ ذهب ، فلا دنيا ولا آخرة . وذاك رئيسُ الفلبينِ ماركوس : جمع الرئاسة والمال ، ولكنَّه أذاق أمَّته أصناف الذُّلّ ، وأسقاها كأس الهوانِ ، فأذاقه اللهُ غُصص التعاسةِ والشقاءِ ، فإذا هو مشرَّدٌ منْ بلادِهِ ومنْ أهلِه وسلطانِه ، لا يملكُ مأوى يأوي إليه ، ويموتُ شقيّاً ، يرفضُ شعبُهُ أن يُدفَنَ في بلدِهِ : ﴿ أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ﴾ ، ﴿ فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولَى﴾ ، ﴿ فَكُلّاً أَخَذْنَا بِذَنبِهِ﴾ . ********************************************* اكتسابُ الفضائل أكاليلٌ على هامِ الحياةِ السعيدةِ
مطلوبٌ من العبدِ لكيْ يكسب السعادة والأمن والراحة ، أن يُبادر إلى الفضائل ، وأنْ يُسارع إلى الصفاتِ الحميدةِ والأفعالِ الجميلةِ (( احرصْ على ما ينفعُك واستعِنْ باللهِ )) . أحدُ الصحابةِ يسألُ الرسول مرافقَتَهُ في الجنةِ فيقول : (( أعِنِّي على نفسِك بكثْرةِ السجودِ ، فإنَّك لا تسجُدُ للهِ سجدةً ، إلاَّ رَفَعَك بها درجة )) . والآخرُ يسألُ عنْ بابٍ جامعٍ من الخيرِ ، فيقولُ له : (( لا يزالُ لسانُك رطباُ من ذكر اللهِ )) . وثالثٌ يسألُ فيقولُ له : (( لا تسُبَّنَّ أحداً ، ولا تضرِبنَّ بيدِك أحداً ، وإنْ أحدٌ سبَّك بما يعلمُ فيك فلا تسُبَّنَّه بما تعلمُ فيه ، ولا تحقِرنَّ من المعروفِ شيئاً ، ولو أنْ تُفْرِغ منْ دَلْوِك في إناءِ المستقي )) . إنَّ الأمر يقتضي المبادَرَةَ والمُسارعة : (( بادرِوا بالأعمالِ فتناً )) ، (( اغتنِمْ خمساً قبل خمسٍ )) ، ﴿وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ ﴾، ﴿ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ﴾ ، ﴿ وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ ﴾ . لا تُهمِلْ في فِعْلِ الخَيْرِ ، ولا تنتظرْ في عملِ البِرِّ ، ولا تُسوِّفْ في طَلَبِ الفضائلِ : دقَّاتُ قلبِ المرءِ قائلةٌ له إنَّ الحياة دقائقٌ وثوانِ
﴿ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ ﴾ . عمرُ بنُ الخطابِ بعد أنْ طُعِن وثَجَّ دمُه ، يرى شابّاً يجرُّ إزاره ، فقال له عمرُ : (( يا ابن أخي ، ارْفَعْ إزارك ، فإنهُ أتقى لربِّك ، وأنْقى لثوبك )) . وهذا أمرٌ بالمعروفِ في سكراتِ الموتِ ﴿ لِمَن شَاء مِنكُمْ أَن يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ ﴾ . إنَّ السعادة لا تحصلُ بالنومِ الطويلِ ، والخلودِ إلى الدَّعةِ ، وهَجْرِ المعالي ، واطِّراحِ الفضائلِ . ﴿ وَلَـكِن كَرِهَ اللّهُ انبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُواْ مَعَ الْقَاعِدِينَ ﴾ . إنَّ منطق أصحابِ الهممِ الدَّنيَّةِ والنفوسِ الهابطةِ يقولُ : ﴿ لاَ تَنفِرُواْ فِي الْحَرِّ ﴾ ، ﴿ لَّوْ كَانُواْ عِندَنَا مَا مَاتُواْ وَمَا قُتِلُواْ ﴾ . وقد نهي العبدُ بالوحي عن التَّأخرِ عنْ فِعلِ الخيرِ : ﴿ مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ ﴾ ، ﴿ وَإِنَّ مِنكُمْ لَمَن لَّيُبَطِّئَنَّ ﴾ ، ﴿ وَلَـكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ ﴾ ، ﴿ أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَـذَا الْغُرَابِ ﴾ ، ﴿ ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّواْ الْحَيَاةَ الْدُّنْيَا عَلَى الآخِرَةِ ﴾ ، ﴿ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ ﴾ ، ﴿وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَى ﴾ ، (( اللَّهمَّ إني أعوذُ بك من الكسلِ )) ، (( والكيُسُ منْ دان نفْسه وعمِل لما بعد الموتِ ، والعاجزُ منْ أتْبَعَ نَفْسَه هواها ، وتمنَّى على اللهِ الأماني )) . ********************************************* | |
|
| |
نسيم السحر
عدد المساهمات : 242 تاريخ التسجيل : 20/06/2009 العمر : 43 الموقع : سورية ____ حلب
| موضوع: رد: لا تحزن للشيخ / عائض القرني الخميس يونيو 25, 2009 5:15 pm | |
| الخُلدُ والنعيمُ هناك لا هُنا هلْ تريدُ أن تبقى شابّاً مُعافىً غنيّاً مخلَّداً ؟ إنْ كنت تريدُ ذلك فإنهُ ليس في الدنيا ، بلْ هناك في الآخرةِ ، إنَّ هذهِ الحياة الدنيا كَنَبَ اللهُ عليها الشقاء والفناء ، وسمَّاها لهواً ولعِباً ومتاع الغرورِ . عاش أحدُ الشعراءِ معدماً مُفِلساً ، وهو في عنفوان شبابِهِ ، يريدُ درهماً فلا يجدُهُ ، يريدُ زوجةً فلا يحصُلُ عليها ، فلمَّا كبرتْ سِنُّ وشاب رأسُه ، ورقَّ عَظْمُهُ ، جاءهُ المالُ منْ كلِّ مكانٍ ، وسهُلَ أمرُ زواجهِ وسكنِه ، فتأوَّه منْ هذه المتَادّاتِ وأنشد : ما كنتُ أرجوهُ إذ كنتُ ابن عشرينا مُلِّكْتُهُ بعد ما جاوزتُ سبعينا
تطُوفُ بي منْ بناتِ التُّركِ أغْزِلةٌ
مِثلُ الظِّباءِ على كُثبانِ يبرينا
قالوا أنينُك طول الليلِ يُسْهِرُنا
فما الذي تشتكي قلتُ الثمانينا
﴿ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُم مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَاءكُمُ النَّذِيرُ ﴾ ، ﴿ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لَا يُرْجَعُونَ ﴾ ، ﴿ وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ ﴾ . إنَّ مَثَلَ هذهِ الحياةِ الدنيا كمسافرٍ استظلَّ تحت ظلِّ شجرةٍ ثم ذهب وتركها . ********************************** أعداءُ المنهجِ الرَّبانيّ قرأتُ كتباً للملاحدِة الصَّادِّين عنْ منهج اللهِ شعراً ونثراً ، فرأيتُ كلام هؤلاءِ المنحرفين عنْ منهجِ الله في الأرضِ ، وطالعتُ سخافاتِهم ، ووجدتُ الاعتداء الجارف على المبادئِ الحقةِ ، وعلى التعاليمِ الرَّبّانيَّة ، ووجدتُ هذا الرُّكام الرخص الذي تفوَّهَ به هؤلاء ورأيتُ منْ سُوءِ أدبِهم ، ومنْ قلَّةِ حيائِهم، ما يستحي الإنسانُ أنْ ينقُل للناسِ ما قالوه وما كتبوه وما أنشدوهُ. وعلمتُ أنَّ الإنسان إذا لمْ يحملْ مبدأً ولم يستشعِرْ رسالةً ، فإنَّهُ يتحوَّلُ إلى دابَّةٍ في مِسْلاخ إنسانٍ ، وإلى بهيمةٍ في هيكلٍ رجُلٍ : ﴿ أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً ﴾ . وسألتُ نفسي ، وأنا أقرأُ الكتاب : كيف يَسْعَدُ هؤلاءِ وقدْ أعرضُوا عنِ اللهِ الذي يملكُ السعادة ويعطيها سبحانه وتعالى لمنْ يشاءُ ؟! كيف يسعدُ هؤلاءِ وقدْ قطعوا الحبال بينهم وبينه ، وأغلقوا الأبواب بين أنفسِهم الهزيلةِ المريضِ وبين رحمةِ اللهِ الواسعةِ ؟! كيف يسعدُ هؤلاءِ وقد أغضبُوا الله ؟! وكيف يجدون ارتياحاً وقدْ حاربُوه ؟! ولكنِّي وجدتُ أنَّ أول النَّكالِ أخذ يُصيبُهم في هذه الدارِ بمقدِّماتِ نكالٍ أخرويٍّ – إنْ لم يتوبوا – في نار جهنمِّ ، نكالُ الشقاءِ ، وعدمُ المبالاةِ ، والضِّيقُ ، والانهيارُ والإحباطُ : ﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً ﴾ . حتى إنَّ كثيراً منهمْ يريدُ أنْ يزول العالمُ ، وأنْ تنتهي الحياةُ ، وأنْ تُنسف الدنيا ، وأن يُفارق هذه المعيشة . إنَّ القاسم المشترك الذي يجمعُ الملاحدة الأوَّلين والآخِرين هو : سوءُ الأدبِ مع اللهِ ، والمجازفةُ بالقيمِ والمبادئِ ، والرُّعُونةُ في الأخْذِ والعطاءِ والإعراضُ عن العواقبِ ، وعدمُ المبالاةِ بما يقولون ويكتبون ويعملون : ﴿ أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَم مَّنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىَ شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴾ . إنَّ الحلَّ الوحيد لهؤلاءِ الملاحدةِ ، للتَّخلُّصِ منْ همومِهم وأحزانِهم – إنّ لم يتوبوا ويهتدوا – أنْ ينتحرُوا ويُنهُوا هذا العيش المُرَّ ، والمرَ التافِه الرخيص: ﴿ قُلْ مُوتُواْ بِغَيْظِكُمْ ﴾ ، ﴿ فَاقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ ﴾ . ******************************************* حقيقةُ الدُّنيا إنَّ ميزان السعادةِ في كتابِ اللهِ العظيمِ ، وإنَّ تقدير الأشياءِ في ذِكْرِهِ الحكيم ، فهو يقرِّرُ الشيء وقيمتهُ ومردودَهُ على العبدِ في الدُّنيا والآخرةِ ﴿ وَلَوْلَا أَن يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِّن فَضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ{33} وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَاباً وَسُرُراً عَلَيْهَا يَتَّكِؤُونَ{34} وَزُخْرُفاً وَإِن كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ عِندَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ . هذهِ هي حقيقةُ الحياةِ ، وقصورُها ودُورُها ، وذهبُها وفضَّتُها ومناصبُها . إنَّ منْ تفاهتِها أنْ تعطي الكافر جملةً واحدةً ، وأن يُحْرَمَهَا المؤمنُ ليبيّن للناسِ قيمة الحياةٍ الدنيا. إنَّ عتبة بن غزوان الصحابيَّ الشهير يستغربُ وهو يخطبُ الناس الجمعة : كيف يكونُ في حالةٍ مع رسولِ اللهِ ، مع سيِّدِ الخَلْقِ يأكلُ معهُ وَرَقَ الشجرِ مجاهداً في سبيلِ اللهِ ، في أرْضى ساعاتِ عمرِهِ ، وأحلى أيامِهِ ، ثمَّ يتخلَّفُ عنْ رسولِ اللهِ ، فيكونُ أميراً على إقليمٍ ، وحاكماً على مقاطعةٍ ، إنَّ الحياة التي تُقبلُ بعد وفاةِ الرسولِ حياةٌ رخيصةٌ حقّاً . أرى أشقياء الناسِ لا يسأمُونها على أنَّهمْ فيها عراةٌ وجُوَّعُ
أراها وإنْ كانت تُسِرُّ فإنها
سحابةُ صيفٍ عنْ قليلٍ تقشَّعُ
سعدُ بنُ أبي وقَّاصٍ يصيبُهُ الذهولُ وهو يتولَّى إمرة الكوفةِ بعدَ وفاةِ الرسولِ ، وقدْ أكل معه الشجر ، ويأكلُ جلداً ميِّتاً ، يشويهِ ثمَّ يسحقُه ، ثم يحتسيهِ على الماءِ ، فما لهذهِ الحياةِ وما لقصورِها ودُورِها ، تُقبلُ بعد إدبارِ الرسولِ ، وتأتي بعد ذهابهِ ﴿ وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَّكَ مِنَ الْأُولَى ﴾ . إذنْ في الأمر شيءٌ ، وفي المسألةِ سرٌّ ، إنها تفاهةُ الدنيا فَحَسْبُ ﴿ أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُم بِهِ مِن مَّالٍ وَبَنِينَ{55} نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَل لَّا يَشْعُرُونَ ﴾ ، (( واللهِ ما الفقر أخشى عليكمْ )) . لمَّ دخل عُمر على رسولِ اللهِ وهو في المشْرَبِة ، ورآه على حصيرٍ أثَّر في جنبهِ ، وما في بيتهِ إلا شعيرٌ معلّقٌ ، دمعتْ عينا عُمَرَ . إنَّ الموقف مؤثِّرٌ ، أنْ يكون رسولُ الله قدوةُ الناسِ وإمامُ الجميع ، في هذهِ الحالةِ ﴿وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ ﴾ . ثمَّ يقولُ له عُمَرُ – رضي اللهُ عنه - : كسرى وقيصر فيما تعلمُ يا رسول اللهِ ! قال رسولُ الله : (( أفي شكٍّ أنت يا بن الخطاب ، أما ترضى أن تكون لنا الآخرةُ ولهم الدنيا )) . إنها معادلةٌ واضحةٌ ، وقسمةٌ عادلةٌ ، فلْيَرْضَ مَنْ يرضى ، ولْيَسخطْ منْ يسخطُ ، وليطلُبِ السعادة منْ أرادها في الدِّرهمِ والدينارِ والقصرِ والسيارةِ ويعملْ لها وحدها ، فلنْ يجدها والذي لا إله إلا هو . ﴿ مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لاَ يُبْخَسُونَ{15} أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ﴾ . عفاءٌ على دنيا رَحَلْتُ لغيرِها فليس بها للصّالحين مُعَرَّجُ
**************************************** مفتاحُ السعادةِ
إذا عرفت الله وسبَّحْته وعبدْتَهُ وتألَّهْتهُ وأنت في كوخٍ ، وجدت الخَيْرَ والسعادةَ والراحة والهدوء . ولكنْ عند الانحرافِ ، فلوْ سكنت أرقى القصورِ ، وأوسع الدورِ ، وعندك كلُّ ما تشتهي، فاعلمْ أنَّها نهايتُك المُرَّةُ ، وتعاستُك المحققةُ ؛ لأنك ما ملكت إلى الآنِ مفتاح السعادةِ. ﴿ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ ﴾ . ***************************************** | |
|
| |
نسيم السحر
عدد المساهمات : 242 تاريخ التسجيل : 20/06/2009 العمر : 43 الموقع : سورية ____ حلب
| موضوع: رد: لا تحزن للشيخ / عائض القرني الخميس يونيو 25, 2009 5:16 pm | |
| وقفـــةٌ
﴿ إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا ﴾ . إي : يدفعُ عنهمُ شرور الدنيا والآخرة . « هذا إخبارٌ ووعدٌ وبشارةٌ من اللهِ للذين آمنوا ، أنه يدفعُ عنهمْ كلَّ مكروهٍ ، ويدفعُ عنهم – بسببِ إيمانِهم – كلَّ شرٍّ منْ شرورِ الكفارِ ، وشرورِ وسوسةِ الشيطانِ ، وشرورِ أنفسِهم ، وسيئاتِ أعمالِهم ، ويحملُ عنهمْ عند نزولِ المكارهِ ما لا يتحملونه ، فيُخفِّف عنهمْ غاية التخفيفِ ، كلُّ مؤمنٍ له منْ هذه المدافعةِ والفضيلةِ بحسب إيمانِه ، فمُستقلٌّ ومُستكثِرٌ » . « منْ ثمراتِ الإيمانِ أنه يُسلِّى العبدُ به عند المصائبِ ، وتُهوَّن عليه الشدائدُ والنَّوائبُ ﴿وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ ﴾ وهو العبدُ الذي تصيبُه المصيبةُ ، فيعلمُ أنها منْ عندِ اللهِ ، وأنَّ ما أصابه لم يكُنْ ليُخطئه ، وما أخطأهُ لم يكُنْ ليُصيبه ، فيرضى ويُسَلِّمُ للأقدارِ المؤلمِة ، وتهونُ عليه المصائبُ المزعجةُ ، لصدورِها منْ عندِ اللهِ ، ولإيصالِها إلى ثوابِهِ » . ************************************ كيف كانُوا يعيشُ تعال إلى يومٍ منْ أيام أحدِ الصحابةِ الأخبارِ ، وعظمائِهم الأبرارِ ، عليِّ بن أبي طالبٍ مع ابنهِ رسولِ اللهِ ، مع فلذةِ كبدِهِ ، بصحُو عليٌّ في الصباحِ الباكرِ ، فيبحثُ هو وفاطمةُ عن شيءٍ منْ طعامٍ فلا يجدانِ ، فيرتدي فرواً على جسمِهِ منْ شدَّةِ البردِ ويخرجُ ، ويتلمَّسُ ويذهبُ في أطرافِ المدينةِ ، ويتذكرُ يهوديّاً عنده مزرعةٌ ، فيقتحمُ عليٌّ عليه باب المزرعةِ الضَّيِّقِ الصغيرِ ويدخلُ ، ويقولُ اليهوديُّ : يا أعرابيُّ ، تعالى وأخرِج كلَّ غَرْبٍ بتمرةٍ . والغربُ هو الدلوُ الكبيرُ ، وإخراجُه ، أيْ : إظهارُه من البئرِ مُعاوَنَةً مع الجملِ . فيشتغلُ عليٌّ – رضي اللهُ عنهُ – معهُ برهةً من الزمنِ ، حتى ترِم يداه ويكلُّ جسمُه ، فيُعطيهِ بعددِ الغروبِ تمراتٍ ، ويذهبُ بها ويمرُّ برسولِ اللهِ ويُعطيه منها ، ويبقى هو وفاطمةُ يأكلان مِنْ هذا التمرِ القليلِ طيلة النهارِ . هذهِ هي حياتهم ، لكنَّهم يشعرون أنَّ بيتهُمْ قد امتلأ سعادةً وحبوراً ونوراً وسروراً . إنَّ قلوبهم تعيشُ المبادئ الحقَّةَ التي بُعثَ بها الرسولُ ، والمُثُل السامية ، فهمْ في أعمالٍ قلبيَّةٍ ، وفي روحانيَّة قُدسيَّةٍ يُبصرون بها الحقَّ ، ويُنصرون بها الباطل ، فيعملون لذاك ويجتنبون هذا ، ويُدركون قيمة الشيءِ وحقيقة الأمرِ ، وسرَّ المسألةِ . أين سعادةُ قارون ، وسرورُ وفرحُ وسكينةُ هامان ؟! فالأولُ مدفونٌ ، والثاني ملعون ﴿كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَكُونُ حُطَاماً ﴾ . السعادةُ عند بلالِ وسلمان وعمّارٍ ، لأنَّ بلالاً أذَّن للحقِّ ، وسلمان آخى على الصِّدقِ ، وعمّاراً وفّى الميثاق ﴿ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجاوَزُ عَن سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ ﴾ . ****************************************** أقوالُ الحكماءِ في الصَّبْرِ
يُحكى عنْ أنوشروان أنهُ قال : جميعُ المكارِهِ في الدنيا تنقسمُ على ضربين : فضربٌ فيه حِيلةٌ ، فالاضطرابُ دواؤه ، وضربٌ لا حيلة فيه ، فالاصطبارُ شفاؤُهُ . كان بعضُ الحكماءِ يقولُ : الحِيلةُ فيما لا حيلة فيه ، الصبرُ . وكان يقالُ : منِ اتَّبع الصبر ، اتَّبعَهُ النصرُ . ومن الأمثالِ السائرة ، الصبرُ مفتاحُ الفَرَجِ منْ صَبَرَ قَدَرَ ، ثمرةُ الصبرِ الظَّفرُ ، عند اشتدادِ البلاءِ يأتي الرَّخاءُ . وكان يقالُ : خفِ المضارَّ منْ خللِ المسارِّ ، وارجُ النفْع منْ موضعِ المنْعِ ، واحرصْ على الحياةِ بطلبِ الموتِ ، فكمْ منْ بقاءٍ سببُه استدعاءُ الفناءِ ، ومنْ فناءٍ سببُه البقاءِ ، وأكثرُ ما يأتي الأمنُ منْ قِبل الفزعِ . والعربُ تقولُ : إنَّ في الشرَّ خِياراً . قال الأصمعيَّ : معناهُ : أنَّ بعض الشَّرِّ أهونُ منْ بعْضٍ . وقال أبو عبيدة : معناهُ : إذا أصابتْك مصيبةٌ ، فاعلمْ أنهُ قدْ يكونُ أجلُّ منها ، فلتهُنْ عليك مصيبتُك . قال بعضُ الحكماءِ : عواقبُ الأمورِ تتشابهُ في الغيوب ، فرُبَّ محبوبٍ في مكروهٍ ، ومكروهٍ في محبوبٍ ، وكمْ مغبوطٍ بنعمةٍ هي داؤُه ، ومرحومٍ من داءٍ هو شفاؤُه . وكان يُقالُ : رُبَّ خيرٍ منْ شرٍّ ، ونفعٍ منْ ضرٍّ . وقال وداعةُ السهميُّ ، في كلامٍ له : اصبرْ على الشَّرِّ إنْ قَدَحَك ، فربَّما أجْلى عما يُفرحُك ، وتحت الرَّغوةِ اللبنُ الصَّريحُ . يأتي اللهُ بالفرحِ عند انقطاعِ الأملِ : ﴿ حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ جَاءهُمْ نَصْرُنَا﴾ ، ﴿إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴾، ﴿ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ . يقولُ بعضُ الكُتّابِ : وكما أنَّ الله – جلَّ وعلا – يأتي بالمحبوبِ من الوجهِ الذي قدَّرّ ورودّ المكروهِ منه، ويفتحُ بفرج عند انقطاعِ الأملِ، واستبهامِ وجوهِ الحِيل، ليحُضَّ سائر خلْقه بما يريدهم من تمام قدرته ، على صرف الرجاء إليهِ ، وإخلاصِ آمالِهم في التَّوكُّلِ عليه ، وأنْ لا يَزْوُوا وجوههُم في وقتٍ من الأوقاتِ عنْ توقُّعِ الرَّوْحِ منه ، فلا يعدلُوا بآمالِهم على أيِّ حالٍ من الحالاتِ ، عنِ انتظارِ فرجٍ يصدُر عنه ، وكذلك أيضاً يسرُّهم فيما ساءهم ، بأنْ كفاهم بمحنةٍ يسيرةٍ، ما هو أعظمُ منها، وافتداهُمْ بمُلِمَّةٍ سهلةٍ ، ممَّ كان أنكى فيهمْ لو لحِقهُمْ. لعلَّ عتْبك محمودٌ عواقبُهُ فربَّما صحَّتِ الأجسامُ بالعِللِ
قال إسحاقُ العابدُ : ربما امتحنَ اللهُ العبْدَ بمحنةٍ يخلِّصُه بها من الهلكةِ ، فتكون تلك المحنةُ أجلَّ نعمةٍ . يقالُ : إنَّ منِ احتمل المحنة ، ورضي بتدبيرِ اللهِ تعالى في النكْبةِ ، وصبر على الشِّدَّةِ ، كشف له عنْ منفعتِها ، حتى يقف على المستورِ عنه منْ مصلحتِها . حُكي عن بعضِ النصارى أنَّ بعض الأنبياءِ عليهمُ السلامُ قال : المِحنُ تأديبٌ من اللهِ ، والأدبُ لا يدومُ ، فطوبى لمنْ تصبَّر على التأديبِ ، وتثبَّت عند المحنةِ ، فيجبُ له لُبسُ إكليِلِ الغَلَبَةِ ، وتاجِ الفلاحِ ، الذي وعَدَ اللهُ به مُحِبِّيه ، وأهلِ طاعتِهِ . قال إسحاقُ : احذرِ الضَّجَرَ ، إذا أصابتْك أسِنَّةُ المحنِ ، وأعراضُ الفِتنِ ، فإنَّ الطريق المؤدِّي إلى النجاةِ صعْبُ المسْلكِ . قال بزرجمهرُ : انتظارُ الفَرَجِ بالصبرِ ، يُعقبُ الاغتباط . ****************************************** حُسْنُ الظَّنِّ باللهِ لا يخيبُ (( أنا عند ظنِّ عبدي بي ، فليظنَّ بي ما شاء )) . لبعضِ الكُتّابِ : إنَّ الرجاء مادَّةُ الصبرِ ، والمُعينُ عليه . فكذلك عِلَّةُ الرجاءِ ومادَّتهُ ، حُسْنُ الظَّنِّ باللهِ ، الذي لا يجوزُ أن يخيب ، فإنَّا قد نستقري الكرماء ، فنجدُهم يرفعون منْ أحسن ظنَّهُ بهمْ ، ويتحوَّبُون منْ تخيّب أملُه فيهمْ ، ويتحرَّ جون مِنْ قصدَهم ، فكيف بأكرمِ الأكرمين ، الذي لا يعوزُه أنْ يمنح مؤمِّليه ، ما يزيدُ على أمانيِّهم فيه . وأعدلُ الشواهدِ بمحبَّةِ الله جلَّ ذِكْرُه ، لتمسُّكِ عبدِه برحابهِ ، وانتظارُ الرَّوحِ منْ ظلِّهِ ومآبِه ، أنَّ الإنسان لا يأتيه الفَرَجَ ، ولا تُدركُه النجاةُ ، إلا بعد إخفاقِ أملهِ في كلِّ ما كان يتوجِّه نحوه بأملِه ورغبتِه ، وعند انغلاقِ مطالبِهِ ، وعَجْزِ حيلتِه ، وتناهي ضَرِّهِ ومحنتِه ، ليكون ذلك باعثاً له على صَرْفِ رجائِهِ أبداً إلى اللهِ عزَّ وجلَّ ، وزاجراً له على تجاوز حُسْنِ ظنِّه به ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ﴾ . ************************************** | |
|
| |
نسيم السحر
عدد المساهمات : 242 تاريخ التسجيل : 20/06/2009 العمر : 43 الموقع : سورية ____ حلب
| موضوع: رد: لا تحزن للشيخ / عائض القرني الخميس يونيو 25, 2009 5:19 pm | |
| يُدركُ الصَّبُورُ أحْمَدَ الأمورِ
رُوِي عنْ عبدِالله بنِ مسعودٍ : الفَرَجُ والروحُ في اليقيِن والرضا ، والهمُّ والحزنُ في الشَّكِّ والسخطِ . وكان يقولُ : الصَّبُورُ ، يُدركُ أحْمد الأمورِ . قال أبانُ بنُ تغلب : سمعتُ أعربيّاً يقولُ : منْ أفْضلِ آداب الرجالِ أنهُ إذا نزلتْ بأحدِهمْ جائحةٌ استعمل الصبر عليها ، وألهم نفْسه الرجاء لزوالِها ، حتى كأنه لصبرِه يعاينُ الخلاص منها والعناء ، توكُّلاً على اللهِ عزَّ وجلَّ ، وحُسْنِ ظنٍّ به ، فمتى لزِم هذه الصفة ، لم يلبثْ أن يقضي اللهُ حاجته ، ويُزيل كُربيه ، ويُنجح طِلْبتهُ ، ومعهُ دينُه وعِرضُه ومروءتُه . روى الأصمعيُّ عنْ أعرابيٍّ أنه قال : خفِ الشَّرّ منْ موضعِ الخيْرِ ، وارجُ الخيْرَ منْ موضعِ الشَّرِّ ، فرُبَّ حياةٍ سببُها طلبُ الموتِ ، وموتٍ سببُه طلبُ الحياةِ ، وأكْثَرُ ما يأتي الأمنُ من ناحيِة الخوْفِ . وإذا العنايةُ لاحظتْك عيونُها نَمْ فالحوادِثُ كلُّهُنَّ أمانُ
وقال قطريُّ بنُ الفجاءةِ : لا يَرْكَنَنْ أحدٌ إلى الإحجامِ يوم الوغى مُتَخَوِّفاً لحمِامِ
فلقدْ أراني للرِّماحِ دريئة
من عن يميني مرَّةً وأمامي
حتى خضبتُ بما تحدَّر مِن دمي
أحناء سرْجي أو عنان لجامي
ثم انصرفتُ وقدْ أصبتُ ولم أُصبْ
جذع البصيرةِ قارِح الإقدامِ
وقال بعضُ الحكماءِ : العاقلُ يتعزَّى فيما نزل به منْ مكروهٍ بأمرينِ : أحدهما : السرورُ بما بقي له . والآخر : رجاءُ الفَرَجِ مما نَزَلَهُ به . والجاهل يجزعُ في محنتِهِ بأمرينِ : أحدهما : استكثارُ ما أوى إليه . والآخر : تخوُّفُه ما هو أشدُّ منهُ . وكان يقالُ : المِحنُ آدابُ اللهِ عزَّ وجلَّ لخلقِهِ ، وتأديبُ اللهِ يفتحً القلوب والأسماع والأبصار . ووصف الحّسَنُ بنُ سَهْلٍ المِحن فقال : فيها تمحيصٌ من الذنبِ ، وتنبيهٌ من الغفلةِ ، وتعرُّضٌ للثوابِ بالصبرِ ، وتذكيرٌ بالنعمةِ ، واستدعاءٌ للمثوبةِ ، وفي نظرِ اللهِ عزَّ وجلَّ وقضائِهِ الخيارُ . فهذا من أحبَّ الموت ، طلباً لحياةِ الذِّكْرِ . ﴿ الَّذِينَ قَالُواْ لإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُواْ لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا قُلْ فَادْرَؤُوا عَنْ أَنفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ﴾ . أقوالٌ في تهوينِ المصائبِ : قال بعضُ عقلاءِ التُّجَّارِ : ما أصْغرَ المصيبة بالأرباحِ ، إذا عادتْ بسلامةِ الأرواحِ . وكان منْ قولِ العربِ : إنّ تسْلمِ الجِلَّةُ فالسَّخْلةُ هَدَرٌ . ومنْ كلامِهم : لا تيأسْ أرضٌ من عمرانٍ ، وإن جفاها الزمانُ . والعامَّة تقول : نهرٌ جرى فيه الماءُ لابدَّ أن يعود إليه . وقال ثامسطيوس : لم يتفاضلْ أهلُ العقولِ والدِّينِ إلا في استعمالِ الفضْلِ في حالِ القُدرةِ والنعمةِ ، وابتذالِ الصبرِ في حالِ الشِّدَّةِ والمحنةِ .
**************************************** لا تحزنْ ، واقرأْ عجائب خلقِ اللهِ في الكونِ
وطالِعْ غرائب صُنعِهِ في المعمورةِ ، تجدِ العَجَبَ العُجابَ ، وتقضي على همومِك وغمومِك ، فإنَّ النَّفْس مُولعةٌ بالطَّريفِ الغريبِ . رَوَى البخاريُّ ومسلمٌ ، عنْ جابرِ بن عبدِاللهِ رضي اللهُ عنه ، قال : بَعَثَنا رسولُ اللهِ ، وأمَّر علينا أبا عبيدة ، نتلقَّى عِيراً لقريشٍ ، وزوَّدنا جِراباً منْ تمرٍ لمْ يجِدْ لنا غَيْرَه ، فكان أبو عبيدة يُطينا تمرةً تمرةً . قال – الراوي عنْ جابرٍ - : فقلتُ : كيف كنتُمْ تصنعون بها ؟ قال : نمصُّها كما يمُصُّ الصَّبيُّ ، ثمَّ نشربُ عليها من الماءِ ، فتكفينا يومنا إلى الليلِ ، وكنَّا نضربُ بِعصيِّنا الخَبَطَ – أي ورق الشجرِ – ثم نبُلُّه فنأكُلَهُ . قال : وانطلْقْنا على ساحلِ البحرِ فإذا شيءٌ كهيئةِ الكثيبِ الضخمِ – أي كصورةِ التَّلَّ الكبيرِ المستطيلِ المُحْدَوْدبِ من الرملِ – فأتيناهُ ، فإذا هي دابَّةٌ تُدعى العَنْبَرَ . قال : قالَ أبو عبيدة : ميْتةٌ . ثم قال : لا بلْ نحنُ رُسُلُ رسول الله ، وفي سبيلِ اللهِ ، وقدْ اضطُررْتُم فكُلُوا . قال : فأقمْنا عليه شهراً ونحنُ ثلاثمائة حتى سمِنَّا . قال : ولقدْ رأيتُنا نغترفُ منْ وَقْبِ عينِه – أي منْ داخلِ عينِه – ونفرقُها بالقلالِ – أي بالجرارِ الكبيرةِ – الدُّهْنَ ، ونقتطعُ منه الفِدر – أيْ القِطع – كالثورِ أو قدْرِ الثورِ . فلقدْ أخذ منا أبو عبيدة ثلاثة عشرَ رجلاً ، فأقعدهم في وقبِ عينِهِ ، وأخذ ضلعاً منْ أضلاعِهِ فأقامها ، ثمَّ رحَّل أعظم بعيرٍ ، ونظر إلى أطولِ رجُلٍ فحملهُ عليهِ ، فمرَّ منْ تحتِها . وتزوَّدْنا منْ لحْمِه وشائِق ، فلمَّا قدمْنا المدينة ، أتينا رسول اللهِ ، فذكرنا له ذلك ، فقال : (( هو رزقٌ أخرجه اللهُ لكمْ ، فهل معكمْ منْ لحمِهِ شيءٌ فتُطعمونا ؟ )) ، قال : فأرسلْنا إلى رسولِ اللهِ ، فأكل منه . ﴿ الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى ﴾ : البذرةُ إذا وُضِعتْ في الأرضِ لا تنبتُ حتى تهتزَّ الأرضُ هِزَّةً خفيفةً ، تُسجَّلُ بجهاز رِخْتَرَ ، فتفقسُ البذرةُ وتنبتُ : ﴿ فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ ﴾ . ﴿ الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى ﴾ : قال أبو داود في كتابهِ ( السنن) في بابِ زكاةِ الزرعِ : شَبَرْتُ قثاءةً بمصر ثلاثة عشر شِبْراً ، ورأيتُ أُتْرُجَّةً على بعيرٍ بقطعتيْن ، قُطعتْ وصيِّرَتْ على مثْلِ عِدلْينِ . ﴿ الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى ﴾ : ذكر الدكتورُ زغلولُ النجّارُ الدارسُ للآياتِ الكونيةِ – في إحدى محاضراتِه – أنَّ هناك نجوماً انطلقتْ منْ آلافِ السنواتِ ، وهي في سرعةِ الضوءِ ، ولم تصلْ حتى الآن إلى الأرضِ ، وما بقي إلا مواقعُها ﴿ فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ ﴾ . ﴿ الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى ﴾ : جاء في (جريدة الأخبارِ الجديدة) في العددِ 396 بتاريخِ 27/ 9/ 1953 م ص 2 أنه : « دخلُ صباح اليومِ ( أونا) باريس دخول الفاتحين ، يحرسُه عشراتُ منْ رجالِ البوليس ، الراكبِ والراجلِ . أمَّا ( أونا ) هذا فهو حوتٌ نرويجيٌّ ضخمٌ محنَّطٌ ، وزنه 80000 كيلو ، وكان محمولاً على عَشْرِ جراراتٍ مربوطةٍ بسيارةِ نقلٍ ضخمةٍ ، وسيُعرضُ الحوتُ لمدةِ شهْر ويُسمحُ للناسِ بدخولِ كرشِهِ المضاءِ بالكهرباءِ ، ويستطيعُ عشرةُ أشخاص أنْ يدخلوا بطنَه مرَّةً واحدةً . لكنَّ المشرفين على معرضِ ( أونا ) وبوليس المدينةِ ، لم يتفقا على المكانِ الذي يوضعُ فيه الحوتُ ، وهمْ يخشون وضْعَهُ فوق محطةِ القطارِ الأرضيِّ خشيةَ أنْ ينهار الشارعُ . وبرغمِ أنَّ سِنَّ هذا الحوتِ لا يزيدُ على 18 شهراً ، فإنَّ طوله 20 متراً ، وقد صيد في شهرِ سبتمبر من العامِ الماضي في مياهِ النرويج ، وقدْ صُنِعتْ لهُ عربةُ قطارٍ خاصَّةٌ ، لنقْلِه في جولةٍ عَبْرَ أوربا ، ولكنَّها انهارتْ تحته ، فصنُعتْ له سيارةُ جرٍّ ، طولها 30 متراً » . ﴿ الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى ﴾ : النملةُ تدَّخِرُ قُوتها من الصيفِ للشتاءِ ؛ لأنَّها لا تخرجُ في الشتاءِ ، فإذا خشيتْ أنْ تنبت الحبَّةُ ، كسرتْها نصفين ، والحيَّةُ في الصحراءِ إذا لم تجدْ طعاماً ، نصبت نفسها كالعودِ ، فيقعُ عليها الطائرُ فتأكلهُ . ﴿ الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى ﴾ : قال عبدُالرزاقِ الصنعانيُّ : سمعتُ معمر بن راشدٍ البصريَّ يقولُ : رأيتُ باليمنِ عنقود عنبٍ ، وقْرَ بَغْلٍ تامٍّ . ﴿ وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَّهَا طَلْعٌ نَّضِيدٌ ﴾ . كلّ الأشجارِ والنباتاتِ تُسقى بماءٍ واحدٍ ﴿ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الأُكُلِ ﴾ . وللنباتاتِ مناعةٌ خاصَّةٌ ، فمنها القويَّةُ بنفسهِا ، ومنها الشوكيَّةُ التي تدافعُ بشوكِها ، ومنها الحامضةُ اللاّذِعةُ . ﴿ الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى ﴾ : قال كمالُ الدين الأُدفويُّ المِصْريُّ في كتابِه (الطالع السعيد الجامع نجباء أنباء الصعيد) : « رأيت قطف عنبٍ ، جاءتْ زنُته ثمانيةُ أرطالٍ باللّيثيِّ ، ووُزِنتْ حبَّةُ عنبٍ ، جاءتْ زنتُها عشرةُ دراهم ، وذلك بأُدفو بلدِنا » . ﴿ الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى ﴾ : وقد ذكر علماءُ الفلكِ أنَّ الكون لا يزالُ يتَّسعُ شيئاً فشيئاً كما تتَّسع البالونةُ : ﴿وَالسَّمَاء بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ ﴾ . وذكروا أنَّ الأرض اليابسة تنقصُ ، وأنَّ المحيطات تتَّسعُ ، ﴿ أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا نَأْتِي الأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا ﴾ .
﴿ الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى ﴾ : جاء في مجلةِ ( الفيصل) عدد 62 سنة 1402 هـ ص 112 صورةٌ لثمرةِ كرنبٍ (ملفوف) وزنت 22 كيلو غراماً ، وبلغ قطرُها متراً واحداً ، وصورةٌ لبصلةٍ يابسةٍ واحدة ، وزنت 2,3 كيلو غراماً ، وبلغ قطرها 30 سم . وذكرتِ المجلةُ عقِب ذلك ، أنَّ ثمرة بندورةٍ (طماطم) واحدةٍ بلغ محيطُها أكثر منْ 60 سم ، وأنَّ هذه الأشياء غَيْرَ العاديةِ ، نبتتْ في أرضِ المُزارِعِ المكسيكي ( جوزيه كارمن) ذي الخبرةِ الطويلةِ في الزراعةِ والعنايةِ بالأرضِ ، مما جعلَهُ المزارع الأوَّل في المكسيكِ . ************************************** | |
|
| |
نسيم السحر
عدد المساهمات : 242 تاريخ التسجيل : 20/06/2009 العمر : 43 الموقع : سورية ____ حلب
| موضوع: رد: لا تحزن للشيخ / عائض القرني الخميس يونيو 25, 2009 5:21 pm | |
| يا الله يا الله ﴿ قُلِ اللّهُ يُنَجِّيكُم مِّنْهَا وَمِن كُلِّ كَرْبٍ ﴾ . ﴿ أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ ﴾ . ﴿ قُلْ مَن يُنَجِّيكُم مِّن ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ﴾ . ﴿ وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ ﴾ . وقال عنْ آدم : ﴿ ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى ﴾ . ونوحٍ : ﴿ وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ ﴾ . وإبراهيم : ﴿ قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلَاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ ﴾ . ويعقوب : ﴿ عَسَى اللّهُ أَن يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعاً ﴾ . ويوسف : ﴿ وَقَدْ أَحْسَنَ بَي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاء بِكُم مِّنَ الْبَدْوِ ﴾ . وداود : ﴿ فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِندَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ ﴾ . وأيوب : ﴿ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ ﴾ . ويونس : ﴿ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ ﴾ . وموسى : ﴿ فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الْغَمِّ ﴾ . ومحمد : ﴿ إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ ﴾ ، ﴿ أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَى{6} وَوَجَدَكَ ضَالّاً فَهَدَى{7} وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَى ﴾ . ﴿ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ ﴾ : قال بعضُهم : يغفرُ ذنباً ، ويكشفُ كرْباً ، ويرفع أقواماً ، ويضعُ آخرين . اشْتدِّي أزمةُ تنْفرِجي قد آذن صُبْحُكِ بالبَلَجِ
سحابة ثمَّ تنقشع : ﴿ لَيْسَ لَهَا مِن دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ ﴾ ********************************************* لا تحزنْ ، فإنَّ الأيام دُوَلٌ
سَجَنَ ابنُ الزبير محمد بن الحنفيَّةِ في سجنِ (عارمٍ) بمكة ، فقال كُثِّر عزة : وما رونقُ الدُّنيا بباقٍ لأهلها وما شدَّةُ الدُّنيا بضرْبةِ لازِمِ
لهذا وهذا مُدَّةٌ سوف تنقضي
ويُصبِحُ ما لاقيتُهُ حلم حالكِ
وتأمَّلتُ بعد هذا الحدث بقرونٍ، فإذا ابنُ الزبيرِ وابنُ الحنفية وسِجْنُ عارمِ كحلمِ حالمٍ: ﴿ هَلْ تُحِسُّ مِنْهُم مِّنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزاً ﴾ . مات الظالمُ والمظلومُ والحابسُ والمحبوسُ . كلُّ بطَّاحٍ مِن الناسِ له يومٌ بطوحٌ . *************************************** ﴿ هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ ﴾
وفي الحديثِ : (( لتُؤدُّنَّ الحقوق إلى أهلهِا حتى يُقاد للشاةِ الجلْحاءِ من القرْناءِ )) مثِّلْ أنفْسِك أيُّها المغرورُ يوم القيامةِ والسَّماءُ تمورُ
هذا بلا ذنبٍ يخافُ لِهوْلِهِ
كيف الذي مرَّتْ عليهِ دُهُوُرُ
*********************************** لا تحزنْ ، فيُسرَّ عدوُّك
إنَّ حزنك يُفْرحُ خصمك ، ولذلك كان منْ أصولِ الملَّةِ إرغامُ أعدائِها : ﴿ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ ﴾ . وقولُه لأبي دُجانة ، وهو يخطرُ في الصفوفِ متبختراً في أُحًد : ((إنها لمشيةٌ يبغضُها اللهُ إلا في هذا الموطنِ )) . وأمر أصحابهُ بالرَّمل حَوْلَ البيتِ ، ليُظهروا قوتهم للمشركين . إنَّ أعداء الحقِّ وخصوم الفضيلةِ سوف يتقطَّعون حسرةً إذا علمُوا بسعاتِنا وفرحِنا وسرورِنا ، ﴿ قُلْ مُوتُواْ بِغَيْظِكُمْ ﴾ ، ﴿ إِن تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ ﴾ ،﴿ وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ ﴾ . رُبَّ منْ أنضجتُ يوماً قلْبهُ قد تمنَّى لي شراً لم يُطعْ
وقال آخر : وتجلُّدي للشَّامتين أُريِهمُ أنِّي لريْبِ الدَّهرِ لا أتضعْضعُ
وفي الحديثِ : (( اللهمّ لا تُشمِتْ بي عدُواً ولا حاسِداً )) . وفيه : (( ونعوذُ بك منْ شماتِةِ الأعداءِ )) . كُلُّ المصائبِ قد تمُرُّ على الفتى وتهونُ غير شماتةِ الأعداءِ
وكانوا يتبسَّمون في الحوادِثِ ، ويصبرون للمصائبِ ، ويتجلَّدُون للخطوبِ ، لإرغامِ أُنُوفِ الشّامِتِين ، وإدخالِ الغيْظ في قلوبِ الحاسدين : ﴿ فَمَا وَهَنُواْ لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا اسْتَكَانُواْ ﴾ . ********************************** تفاؤلٌ وتشاؤمٌ
﴿ فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ فَزَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ{124} وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كَافِرُونَ ﴾ . كثيرٌ من الأخيارِ تفاءلوا بالأمرِ الشّاقِّ العسير ، ورأوْا في ذلك خيْراً على المنهجٍ الحقِّ : ﴿ وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ ﴾ . فهذا أبو الدرداءِ يقولُ : أُحبُّ ثلاثاً يكرهُها الناسُ : أحبُّ الفَقْرَ والمرَضَ والموْتَ ، لأنَّ الفقرَ مسكنةٌ ، والمرضَ كفَّرةٌ ، والموت لقاءٌ باللهِ عزَّ وجلَّ . ولكنَّ الآخرَ يكرهُ الفقر ويذُمُّه ، ويُخبرُ أنَّ الكلاب حتى هي تكرهُ الفقير : إذا رأتْ يوماً فقيراً مُعدماً هرَّتْ عليهِ وكشرَّتْ أنيابها
والحُمَّى رحَّب بها بعضُهم فقال : زارتْ مكفِّرةُ الذنوبِ سريعةً
فسألتُها باللهِ أن لا تُقْلِعِي
لكنّ المتنبي يقولُ عنها : بذلتُ لها المطارف والحشايا فعافتْها وباتتْ في عِظامي
وقال يوسُفُ عليهِ السلامُ عنِ السجنِ : ﴿ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ ﴾ . وعليُّ بنُ الجهم يقولُ عنِ الحبْسِ أيضاً : قالوا حُبِسْت فقلتُ ليس بضائري حبسْي وأيُّ مهنَّدٍ لا يُغْمدُ
ولكنّ عليَّ بن محمدٍ الكاتب يقولُ : قالوا حُبست فقلتُ خطْبٌ نكِدٌ أنْحى عليَّ به الزمانُ المُرْصدُ
والموتُ أحبَّه كثيرٌ ورحَّبوا بهِ ، فمعاذٌ يقولُ : مرحباً بالموتِ ، حبيبٌ جاء على فاقةٍ ، أفلح منْ ندم . ويقولُ في ذلك الحُصيُن بنُ الحمامِ : تأخَّرتُ أستبقي الحياة فلمْ أجِدْ لنفسي حياةً مثْل أن أتقدَّمَا
ويقولُ الآخرُ : لا بأس بالموتِ إذا الموتُ نزلْ . ولكنَّ الآخرين تذمَّرُوا من الموتِ وسبُّوه وفرُّوا منهُ . فاليهودُ أحرصُ الناسِ على حياةٍ ، قال سبحانه وتعالى عنهمْ : ﴿ قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ﴾ . وقال بعضُهم : ومالي بعد هذا العيشِ عيشٌ ومالي بعد هذا الرأسِ رأسُ
والقتلُ في سبيل اللهِ أمنيةٌ عذْبةٌ عند الأبرارِ الشرفاءِ : ﴿ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ ﴾ . وابنُ رواحة ينشدُ : لكنَّني أسألُ الرحمنَ مغفرةً وطعنةً ذات فزعٍ تقذِفُ الزَّبدا
ويقولُ ابنُ الطِّرِمَّاح : أيا ربَّ لا تجعلْ وفاتِي إنْ أتتْ على شرْجَعَ يعلو بحُسْنِ المطارِفِ
ولكنْ شهيداً ثاوياً في عصابةٍ
يُصابون في فجٍّ مِن الأرض خائفِ
غير أنَّ بعضهمْ كرِه القتْلَ وفرَّ منه ، يقولُ جميلُ بثينة : يقولون جاهِد يا جميلُ بغزوةٍ وأيُّ جهادٍ غيرهُنَّ أُريدُ
وقال الأعرابيُّ : واللهِ إني أكرهُ الموت على فراشي ، فكيف أطلبُه في الثغورِ ﴿ قُلْ فَادْرَؤُوا عَنْ أَنفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ﴾ ، ﴿ قُل لَّوْ كُنتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ ﴾ . إنَّ الوقائع واحدةٌ لكنَّ النفوس هي التي تختلفُ . *********************************** | |
|
| |
نسيم السحر
عدد المساهمات : 242 تاريخ التسجيل : 20/06/2009 العمر : 43 الموقع : سورية ____ حلب
| موضوع: رد: لا تحزن للشيخ / عائض القرني الخميس يونيو 25, 2009 5:22 pm | |
| أيُّها الإنسان
أيُّها الإنسانُ : يا منْ ملَّ من الحياةِ ، وسئِم العيش ، وضاق ذرعاً بالأيامِ وذاق الغُصص ، أنَّ هناك فتحاً مبيناً ، ونصراً قريباً ، وفرجاً بعد شدَّة ، ويُسراً بعد عُسْرٍ . إنَّ هناك لُطفاً خفيّاً منْ بينِ يديْك ومنْ خلقِك ، وإنَّ هناك أملاً مشرقاً ، ومستقبلاً حافلاً ، ووعداً صادقاً ، ﴿ وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ ﴾ . إن لضِيقِك فُرْجةً وكشْفاً ، ولمصيبتِك زوالٌ ، وإن هناك أنساً وروحاً وندىً وطلاً وظلاً . ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ ﴾ . أيُّها الإنسانُ : آنَ أنْ تُداوي شكَّك باليقينِ ، والتواء ضميرِك بالحقِّ ، وعِوج الأفكارِ بالهُدى ، واضطراب المسيرةِ بالرُّشدِ . آن أنْ تقشع عنك غياهب الظلامِ بوجْهِ الفجرِ الصادقِ ، ومرارةِ الأسى بحلاوةِ الرَّضا ، وحنادسِ الفِتن بنورٍ يلقفُ ما يأفكُون . أيُّها الإنسانُ: إنَّ وراء بيدائِكمْ القاحلِةِ أرضاً مطمئنَّةً، يأتيها رزقُها رَغَداً منْ كلِّ مكانٍ وإنَّ على رأسِ جبلٍ المشقَّة والضَّنى والإجهاد ، جنَّةً أصابها وابلٌ ، فهي مُمرعةً ، فإنْ لم يصبْها وابلٌ فطلٌّ من البُشرى والفألِ الحسنِ ، والأملِ المنشودِ . يا منْ أصابه الأرقُ ، وصرخ في وجهِ الليلِ : ألا أيُّها الليل الطويلُ ألا انْجلِ ، أبشِرْ بالصبحِ ﴿ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ ﴾ . صبحٌ يملؤُك نوراً وحبوراً وسروراً . يا منْ أذهب لُبَّه الهمُّ : رُويْدك ، فإنَّ منْ أُفُقِ الغيبِ فَرَجاً ، ولك منْ السُّننِ الثابتِة الصادقِة فُسْحةً . يا منْ ملأت عينك بالدمعِ : كفْكِفْ دموعك ، وأرِحْ مُقلتيْك ، اهدأْ فإنَّ لك منْ خالقِ الوجودِ ولايةً ، وعليك منْ لطفهِ رعايةً ، اطمئنَّ أيُّها العبدُ ، فقدْ فُرغ من القضاءِ ، ووقع الاختيارُ ، وحَصَلَ اللُّطفُ ، وذهب ظمأُ المشقَّةِ ، وابتلَّتْ عروقُ الجهدِ ، وثبت الأجرُ عند منْ لا يخيبُ لديهِ السعْيُ . اطمئنَّ : فإنك تتعاملُ مع غالبٍ على أمرِهِ ، لطيفٍ بعبادِه ، رحيمٍ بخْلقِهِ ، حسنِ الصُّنعِ في تدبيرِهِ . اطمئنَّ : فإنَّ العواقب حسنةٌ ، والنتائج مريحةٌ ، والخاتمة كريمةٌ . بعد الفقرِ غِنَّى ، وبعد الظَّمأ رِيٌّ ، وبعد الفراقِ اجتماعٌ ، وبعد الهجْر وَصْلٌ ، وبعد الانقطاعِ اتِّصالٌ ، وبعد السُّهادِ نومٌ هادئٌ ، ﴿ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً ﴾ . لمعتْ نارُهُم وقْد عسْعَسَ الليـ ـلُ وملَّ الحادي وحار الدَّلِيلُ
فتأمَّلتُها وفِكْري من البيْـ
ـنِ عليلٌ وطرْفُ عيني كلِيلُ
وفؤادي ذاك الفؤادُ المعنَّى
وغرامي ذاك الغرامُ الدَّخِيلُ
وسألْنا عن الوكيلِ المرجَّى
للمُلِمَّاتِ هل إليهِ سبيلُ ؟
فوجدْناه صاحب المُلْكِ طُرّاً
أكرم المُجزِلِين فردٌ جليلُ
أيُّها المعذَّبُون في الأرضِ ، بالجوعِ والضَّنْكِ والضَّنى والألمِ والفقْرِ والمرضِ ، أبشرُوا ، فإنكم سوف تشبعون وتسعدون ، وتفرحون وتصِحُّون ، ﴿ وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ{33} وَالصُّبْحِ إِذَا أَسْفَرَ ﴾ . فلابُدَّ لِلَّيلِ أنْ ينجلِيْ ولابدَّ للقيْدِ أنْ ينكسِرْ
ومنْ يتهيَّبْ صُعُود الجبالِ
يعِشْ أبد الدَّهْرِ بين الحُفرْ
وحقٌّ على العبدِ أن يظُنَّ بربِّه خيراً ، وان ينتظر منهُ فضلاً ، وأنْ يرجُو من مولاهُ لُطفاً ، فإنَّ منْ أمرُه في كلمةِ ( كُن) ، جديرٌ أنْ يُوثق بموعودِهِ ، وأنْ يُتعلَّقَ بعهودِهِ ، فلا يجلبُ النفع إلا هو ، ولا يدفع الضُّرَّ إلا هو ، ولهُ في كلِّ نفسٍ لُطفٌ ، وفي كلِّ حركةٍ حكمةٌ ، وفي كلِّ ساعةٍ فَرَجٌ ، جعل بعدَ الليلِ صُبحاً ، وبعد القحْطِ غَيْثاً ، يُعطي ليُشْكر ، ويبتلي ليعلم من يصْبِرُ ، يمنحُ النَّعْماء ليسمع الثَّناء ، ويُسلِّطُ البلاء ليُرفع إليه الدُّعاءُ ، فحريٌّ بالعبدِ أن يقوِّي معه الاتِّصال ، ويُمدَّ إليه الحبال ، ويُكِثرُ السؤال ﴿ وَاسْأَلُواْ اللّهَ مِن فَضْلِهِ ﴾ ، ﴿ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً ﴾ . لو لمْ تُرِدْ نيْل ما أرجو وأطْلُبُهُ مِن جُودِ كفِّك ما علَّمْتني الطَّلبا
انقطع العلاءُ بنُ الحضرميِّ ببعضِ الصحابةِ في الصحراءِ ، ونفِد ماؤُهم ، وأشرفُوا على الموتِ ، فنادى العلاءُ ربَّه القريب ، وسأل إلهاً سميعاً مجيباً ، وهتف بقولِهِ : يا عليُّ يا عظيمُ ، يا حكيمُ يا حكيمُ . فنزل الغيثُ في تلك اللحظةِ ، فشربُوا وتوضؤوا ، واغتسلوا وسَقوْا دوابَّهم . ﴿ وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِن بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ ﴾ . *************************************** وقفــــةٌ
« محبَّةُ اللهِ تعالى ، ومعرفُته ، ودوامُ ذِكْرِه ، والسُّكُونُ إليه ، والطمأنينةُ إليه ، وإفرادُه بالحُبِّ والخوفِ والرجاءِ والتَّوكُّلُ ، والمعاملةُ ، بحيثُ يكون هو وَحْدَهُ المستولي على همومِ العبدِ وعزماتِه وإرادتِه . هو جنَّةُ الدنيا ، والنعيمُ الذي لا يُشبِههُ نعيمٌ ، وهو قُرَّة عينِ المُحِبين ، وحياةُ العارفين » . « تعلُّقُ القلبِ باللهِ وحدهُ واللَّهجُ بذِكرِهِ والقناعةُ : أسبابٌ لزوالِ الهمومِ والغمومِ ، وانشراحُ الصدرِ والحياةُ الطَّيِّبة . والضِّدُّ بالضِّدِّ ، فلا أضْيقُ صدراً ، وأكْثَرُ همّاً ، ممَّنْ تعلَّق قلبُه بغيرِ اللهِ ، ونسي ذِكْر اللهِ ، ولم يقْنَعْ بما آتاهُ اللهُ ، والتَّجرِبةُ أكبرُ شاهدٍ » . ************************************* تعزَّ بالمنكوبين
﴿ وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا مَا حَوْلَكُم مِّنَ الْقُرَى ﴾ . وممَّنْ نُكِب نكبةً داميةً ساحقةً ماحقةً : البرامكةُ ، أُسرةُ الأُسرةُ الأُبَّهةِ والتَّرَفِ والبذْلِ والسَّخاءِ ، وأصبحتْ نكْبتُهم عِبرةً وعظةً ومثلاً ، فإنَّ هارون الرشيد سطا عليهمْ بيْن عشيَّةٍ وضُحاها ، وكانوا في النعيمِ غافلين ، وفي لحافِ الرَّغدِ دافِئين ، وفي بستانِ الترفِ مُنعَّين ، فجاءهم أمرُ اللهِ ضُحىً وهم يلعبون ، على يدِ أقربِ الناسِ إليهم ، فخرَّب دُورهم ، وهدمَ قصورهُم ، وهتك سُتُورهُم ، واستلب عبيدهُمْ ، وأسال دماءهم ، وأوردهم موارد الهالِكين ، فَجَرَحَ بمصابِهم قلوب أحبابِهم ، وقرَّح بنكالِهم عيون أطفالِهم ، فلا إله إلا اللهُ ، كم منْ نعمةٍ عليهم سُلبتْ ، وكمْ منْ عبرةٍ منْ أجلهِم سُفكتْ ، ﴿ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ ﴾ . قبل نكبتهم بساعةٍ ، كانوا في الحرير يرْفُلون ، وعلى الدِّيباجِ يزحفون ، وبكأسِ الأماني يترعُون ، فيها لهوْلِ ما دهاهُم ، ويا لفجيعةِ ما علاهم هذا المصابُ وإلاَّ غيرُه جللُ وهكذا تُمحقُ الأيَّامُ والدُّولُ
اطمأنوا في سِنةٍ من الدهرِ ، وأمْنٍ من الحدثان ، وغفْلةٍ من الأيامِ ﴿ وَسَكَنتُمْ فِي مَسَـاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الأَمْثَالَ ﴾ . خفقتْ على رؤوسِهِمُ البنودُ ، واصطفَّتْ على جوانِبِهم الجنودُ . كأنْ لم يكُن بين الحَجُونِ إلى الصفّا
أنيسٌ ولم يسْمُرْ بمكَّة سامِرُ
رتعُوا في لذَّةِ العيشِ لاهين ، وتمتَّعُوا في صفْو الزمان آمنِين ، ظنُّوا السراب ماءً ، والورم شحْماً ، والدنيا خُلُوداً ، والفناء بقاءً ، وحسبوا الوديعة لا تُستردُّ ، والعارية لا تُضمنُ ، والأمانة لا تُؤدَّى ، ﴿ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لَا يُرْجَعُونَ ﴾ . فجائعُ الدهرِ ألوانٌ مُنوَّعةٌ وللزَّمانِ مَسَرَّاتٌ وأحزانُ
وهذه الدارُ لا تبقي على أحدٍ
ولا يدومُ على حالٍ لها شأنُ
أصبحوا في سرورٍ وأمسوْا في القبورِ ، وفي لحظةٍ منْ لحظاتِ غَضَبِ هارونِ الرشيدِ ، سلَّ سيف النّقمةِ عليهمْ ، فقتل جعفر بن يحيى البرمكيَّ ، وصلبهُ ثمَّ أحرق جثمانه ، وسجن أباه يحيي بن خالدٍ ، وأخاه الفضْل بن يحيى ، وصادر أموالهمْ وأملاكهم . ولما قَتَلَ أبو جعفر المنصورُ محمد بن عبدِاللهِ بن الحَسَنِ ، بعث برأسِهِ إلى أبيهِ عبدِاللهِ بن الحسنِ في السجنِ مع حاجبِهِ الربيعِ ، فوضعَ الرأسَ بين يديهِ ، فقال : رحمك اللهُ يا أبا القاسم ، فقدْ كنت من الذين يُفون بعهدِ اللهِ ، ولا ينقُضون الميثاق ، والذين يصِلون ما أمر اللهُ بهِ أنْ يُوصل ويخشوْن ربَّهم ويخافون سوء الحسابِ ، ثم تمثَّل بقولِ الشاعرِ : فتى كان يحميه مِنْ الذُّلِّ سيفُه ويكفيه سوءاتِ الأمورِ اجتنابُها
والتفت إلى الربيع حاجبِ المنصورِ ، وقال له : قُلْ لصاحبِك : قدْ مضى منْ بُؤسِنا مُدَّةٌ ، ومنْ نعيمِك مِثُلها ، والموعدُ اللهُ تعالى ! وقدْ أخذ هذا المعنى العباسُ بنُ الأحنفِ – وقيل : عمارةُ بنُ عقيلٍ – فقال : فإنْ تلحظي حالي وحالكِ مرَّةً بنظرةِ عينٍ عنْ هَوَى النَّفْسِ تُحْجبُ
نجِد كُلَّ مرَّ منْ بُؤسِ عيشتي
يمُرُّ بيومٍ منْ نعيمكِ يُحْسبُ
كما في ( قولٍ على قول ) . والآن : أين هارون الرشيدُ وأين جعفرُ البرمكيُّ ؟ أين القاتلُ والمقتولُ ؟ أين الآمرُ والمأمورُ ؟ أين الذين أصدر أمره وهو على سريرهِ في قصرهِ ؟ وأين الذي قتِل وصُلِب ؟ لا شيء ، أصبحوا كأمسِ الدَّابر ، وسوف يجمعُهم الحكمُ العدْلُ ليومِ لا ريب فيه ، فلا ظُلْم ولا هضْم ، ﴿ قَالَ عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لَّا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنسَى ﴾ ، ﴿ يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ ، ﴿ يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنكُمْ خَافِيَةٌ ﴾ . قيل ليحيى بن خالدٍ البرمكيِّ : أرأيت هذه النكْبة ، هل تدري ما سببُها ؟ قال : لعلَّها دعوةُ مظلومٍ ، سرتْ في ظلامِ الليلِ ونحنُ عنها غافلون . | |
|
| |
نسيم السحر
عدد المساهمات : 242 تاريخ التسجيل : 20/06/2009 العمر : 43 الموقع : سورية ____ حلب
| موضوع: رد: لا تحزن للشيخ / عائض القرني الخميس يونيو 25, 2009 5:24 pm | |
| ونُكب عبدُالله بنُ معاوية بنِ عبدِاللهِ بنِ جعفر ، فقال في حبْسهِ : خَرَجْنَا من الدنيا ونحنُ مِن أهلِها فلسْنا مِن الأمواتِ فيها ولا الأحياء
إذا دخل السَّجانُ يوماً لحاجةٍ
عجِبْنا وقلنا : جاء هذا من الدُّنيا
ونفرحُ بالرُّؤْيا فجُلُّ حديثِنا
إذا نحنُ أصبحنا الحديث عن الرُّؤْيا
فإنْ حسُنتْ كانتْ بطيئاً مجيئُها
وإنْ قبُحتْ لم تنتظر وأتتْ سعيا
سجنَ أحدُ ملوكِ فارس حكيماً منْ حكمائِهمْ ، فكتب لهُ رقعةً يقولُ : إنها لنْ تمُرَّ عليَّ فيها ساعةٌ ، إلا قرَّبتْني من الفرجِ وقرَّبتْك من النِّقمةِ ، فأنا أنتظرُ السَّعة ، وأنت موعودٌ بالضيِّقِ . ويُنكبُ ابنُ عبَّادٍ سلطانُ الأندلسِ ، عندما غلب عليه الترفُ ، وغلب عليهِ الانحرافُ عنِ الجادَّةِ ، فكثرُتِ الجواري في بيتهِ ، والدُّفوفُ والطَّنابيرُ ، والعزْفُ وسماعُ الغناءِ ، فاستغاث يوماً بابن تاشفين – وهو سلطانُ المغربِ – على أعدائِهِ الروم في الأندلسِ ، فعبر ابنُ تاشفين البحر ، ونصرَ ابن عبَّادِ ، فأنزلهُ ابنُ عبَّادٍ في الحدائقِ والقصورِ والدُّورِ ، ورحَّب به وأكرمه . وكان ابنُ تاشفين كالأسدِ ، ينظرُ في مداخلِ المدينة وفي مخارجِها ، لأنَّ في نفسه شيئاً . وبعد ثلاثةِ أيام هجم ابنُ تاشفين بجنودِه على المملكةِ الضعيفةِ ، وأسر ابن عبَّادٍ وقيَّده وسَلَبَ مُلكه ، وأخذ دُوره ودمَّر قصوره ، وعاث في حدائقِهِ ، ونَقَلَهُ إلى بلدِه ( أغماتٍ) أسيراً ، ﴿ وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ ﴾ . فتقلَّد ابنُ تاشفين زِمام الحُكمِ ، وادعى أنَّ أهل الأندلسِ همُ الذين استدعوْه وأرادوه . ومرَّتِ الأيامُ ، وإذا ببناتِ ابنِ عبَّادٍ يصِلْنه في السجنِ ، حافياتٍ باكياتٍ كسيِفاتٍ جائعاتٍ ، فلمَّا رآهنّ بكى عند البابِ ، وقال : فيما مضى كُنت بالأعيادِ مسرورا فساءك العيدُ في أغمات مأسورا
ترى بناتِك في الأطمارِ جائعةً
يغزِلْن للناسِ ما يمْلِكْن قطميرا
بَرَزْنَ نحْوك للتَّسليمِ خاشعةً
أبصارُهُنَّ حسيراتٍ مَكاسِيرا
يطأْن في الطينِ والأقدامُ حافيةٌ
كأنَّها لم تطأ مِسكاً وكافُورا
ثمَّ دخل الشاعرُ ابنُ اللَّبانةِ على ابنِ عبّادٍ ، فقال له : تَنَشَّقْ رياحين السَّلامِ فإنَّما أصُبُّ بها مِسْكاً عليك وحَنْتَما
وقُلْ مجازاً إن عدمت حقيقةً
بأنك ذو نُعمى فقد كُنت مُنعما
بكاك الحيا والريحُ شقَّتْ جُيُوبها
عليها وتاه الرَّعدُ باسمِك مُعْلِما
وهي قصيدةٌ بديعة ، أوْرَدَها الذهبيُّ ومدحها . روى الترمذيُّ ، عن عطاءٍ ، عنْ عائشة – رضي اللهُ عنها وأرضاها – أنَّها مرَّتْ بقبرِ أخيها عبدِالله الذي دُفن فيه بمكة ، فسلَّمت عليهِ ، وقالتْ : يا عبداللهِ ، ما مثلي ومثُلك إلا كما قال مُتمِّمٌ : وكُنَّا كندْماني جُذيْمَةَ بُرهةً من الدهرِ حتى قِيل لنْ يتصدَّعا
وعِشْنا بخيرٍ في الحياةِ وقبلنا
أصاب المنايا رهط كسرى وتُبَّعا
فلمَّا تفرَّقْنا كأنِّي ومالِكاً
لطُولِ اجتماعٍ لم نبِتْ ليلةً معا
ثمَّ بكتْ وودَّعتْه . وكان عمرُ رضي اللهُ عنهُ يقولُ لمتمِّمِ بن نويرة : يا متمِّم ، والذي نفسي بيده ، لَوَدِدْتُ أني شاعرٌ فأرثي أخي زيداً ، واللهِ ما هبَّتِ الصّبا منْ نجد إلاَّ جاءتني بريحِ زيدٍ . يا متممُ ، إنَّ زيداً أسلم قبلي وهاجرَ وقتل قبلي ، ثمَّ يبكي عمر . يقول متمِّم : لعمْري لقد لام الحبيبُ على البُكا حبيبي لِتذْرافِ الدُّموعِ السَّوافِكِ
فقال أتبكي كلَّ قبرٍ رأيتهُ
لقبرٍ ثوى بين اللِّوى فالدّكادِكِ
فقلتُ له إن الشَّجى يبعثُ الشَّجى
فدعْني فهذا كلُّهُ قبرُ مالِكِ
نُكب بنو الأحمرِ في الأندلسِ ، فجاء الشاعرُ ابنُ عبدون يُعزِّيهم في هذه المصيبةِ فقال : الدَّهْرُ يفجعُ بعد العَيْنِ بالأثرِ فما البكاءُ على الأشباحِ والصُّورِ
أنهاك أنهاك لا آلُوك موعظة
عنْ نوْمَةٍ بين نابِ اللَّيْثِ والظُّفُرِ
وَلَيْتها إذ فدتْ عمراً بخارجةٍ
فدتْ عليّاً بمنْ شاءتْ من البشرِ
﴿ فَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا ﴾ ،﴿ إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاء أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالأَنْعَامُ حَتَّىَ إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَاراً فَجَعَلْنَاهَا حَصِيداً كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ ﴾ . ************************************** ثمراتُ الرِّضا اليانعة
﴿ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ ﴾ . وللرضا ثمراتٌ إيمانيةٌ كثيرةٌ وافرةٌ تنتجُ عنه ، يرتفعُ بها الراضي إلى أعلى المنازلِ ، فيُصبحُ راسخاً في يقيِنه ، ثابتاً في اعتقادِه ، وصادقاً في أقوالِه وأعمالِه وأحوالِه . فتمامُ عبوديِّتِه في جَرَيانِ ما يكرهُهُ من الأحكام عليه . ولو لم يجْرِ عليه منها إلاَّ ما يحبُّ ، لكان أبْعَد شيءٍ عنْ عبوديَّة ربِّه ، فلا تتمُّ له عبوديَّة . من الصَّبرِ والتَّوكلِ والرِّضا والتضرُّعِ والافتقارِ والذُّلِّ والخضوعِ وغَيْرِها – إلاَّ بجريانِ القدرِ له بما يكرهُ ، وليس الشأنُ في الرضا بالقضاءِ الملائم للطبيعةِ ، إنما الشأنُ في القضاءِ المُؤْلِمِ المنافِرِ للطَّبْعِ . فليس للعبدِ أنْ يتحكَّم في قضاءِ اللهِ وقدرِه ، فيرضى بما شاء ويرفضُ ما شاء ، فإنَّ البشر ما كان لهمِ الخِيَرَةُ ، بلْ الخيرةُ اللهِ ، فهو أعْلمُ وأحْكمُ وأجلُّ وأعلى ، لأنه عالمُ الغيبِ المطَّلِعُ على السرائرِ ، العالمُ بالعواقبِ المحيطُ بها .
رضاً برضا : ولْيَعْلم أنَّ رضاه عن ربِّه سبحانهُ وتعالى في جميعِ الحالاتِ ، يُثمِرُ رضا ربُه عنه ، فإذا رضي عنه بالقليلِ من الرِّزقِ ، رضي ربُّه عنه بالقليلِ من العملِ ، وإذا رضي عنه في جميع الحالاتِ ، واستوتْ عندهُ ، وجدهُ أسْرَعَ شيءٍ إلى رضاهُ إذا ترضَّاه وتملَّقه ؛ ولذلك انظرْ للمُخلصيِن مع قِلَّةِ عملهِم ، كيف رضي اللهُ سعيهم لأنهمْ رضُوا عنهُ ورضي عنهمْ ، بخلافِ المنافقين ، فإنَّ الله ردَّ عملهم قليلهُ وكثيرهُ ؛ لأنهمِ سخِطُوا ما أنزلَ الله وكرهُوا رضوانهُ ، فأحبط أعمالهم .
منْ سخِط فلهُ السُّخْطُ : والسُّخطُ بابُ الهمِّ والغمِّ والحزنِ ، وشتاتِ القلبِ ، وكسفِ البالِ ، وسُوءِ الحالِ ، والظَّنِّ بالله خلافُ ما هو أهلُه . والرضا يُخلِّصُه منْ ذلك كلِّه ، ويفتحُ له باب جنةِ الدنيا قبل الآخرةِ ، فإنَّ الارتياح النفسيَّ لا يتمُّ بمُعاكسةِ الأقدارِ ومضادَّة القضاءِ ، بل بالتسليمِ والإذعانِ والقبُولِ ، لأنَّ مدبِّر الأمرِ حكيمٌ لا يُتَّهمُ في قضائِه وقدرهِ ، ولا زلتُ أذكرُ قصة ابن الراونديِّ الفيلسوف الذَّكّيِ الملحدِ ، وكان فقيراً ، فرأى عاميّاً جاهلاً مع الدُّورِ والقصورِ والأموالِ الطائلةِ ، فنظر إلى السماءِ وقال : أنا فيلسوفُ الدنيا وأعيشُ فقيراً ، وهذا بليدٌ جاهلٌ ويحيا غنيّاً ، وهذه قِسمةٌ ضِيزى . فما زادهُ اللهُ إلا مقْتاً وذُلاّ وضنْكاً ﴿ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لَا يُنصَرُونَ ﴾ .
فوائدُ الرِّضا : فالرِّضا يُوجِبُ له الطُّمأنينة ، وبرد القلبِ ، وسكونهُ وقراره وثباتهُ عند اضطرابِ الشُّبهِ والتباسِ والقضايا وكثْرةِ الواردِ ، فيثقُ هذا القلبُ بموعودِ اللهِ وموعودِ رسوله ، ويقولُ لسانُ الحالِ : ﴿ هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَاناً وَتَسْلِيماً ﴾ . والسخطُ يوجبُ اضطراب قلبِه ، وريبتهُ وانزعاجهُ ، وعَدَمَ قرارِهِ ، ومرضهُ وتمزُّقهُ ، فيبقى قلِقاً ناقِماً ساخِطاً متمرِّداً ، فلسانُ حالِه يقولُ : ﴿ مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً ﴾ . فأصحابُ هذه القلوبِ إن يكُن لهمُ الحقُّ ، يأتوا إليه مُذعِنِين ، وإن طُولِبوا بالحقِّ إذا همْ يصْدفِون ، وإنْ أصابهم خيرٌ اطمأنٌّوا به ، وإنْ أصابتهم فتنةٌ انقلبُوا على وجوههِم ، خسرُوا الدنيا والآخرةِ ﴿ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ ﴾ . كما أنّ الرضا يُنزلُ عليه السكينة التي لا أَنْفَعَ له منها ، ومتى نزلتْ عليه السكينةُ ، استقام وصلحتْ أحوالُه ، وصلح بالُه ، والسُّخط يُبعِدُه منها بحسبِ قلَّتِه وكثرتِه ، وإذا ترحَّلتْ عنهُ السكينةُ ، ترحَّل عنه السرورُ والأمْنُ والراحةُ وطِيبُ العيشِ . فمنْ أعْظَمِ نعمِ اللهِ على عبدِه : تنزُّلُ السكينةِ عليهِ . ومنْ أعظمِ أسبابِها : الرضا عنه في جميعِ الحالاتِ . | |
|
| |
نسيم السحر
عدد المساهمات : 242 تاريخ التسجيل : 20/06/2009 العمر : 43 الموقع : سورية ____ حلب
| موضوع: رد: لا تحزن للشيخ / عائض القرني الخميس يونيو 25, 2009 5:25 pm | |
| لا تُخاصِم ربَّك : والرضا يخلِّصُ العبد منْ مُخاصمةِ الربِّ تعالى في أحكامِه وأقضيتِه . فإنَّ السُّخط عليهِ مُخاصمةٌ له فيما لم يرض به العبدُ ، وأصلُ مخاصمةِ إبليس لربِّه : منْ عَدَمِ رضاه بأقْضِيَتِه ، وأحكامِه الدِّينيِة والكونيِة . وإنَّما ألحد منْ ألحدَ ، وجَحِدَ منْ جحد لأنهُ نازعَ ربَّه رداء العظمةِ وإزار الكبرياءِ ، ولم يُذعِنْ لمقامِ الجبروتِ ، فهو يُعطِّلُ الأوامر ، وينتهِكُ المناهي ، ويتسخَّطُ المقادير ، ولم يُذعِنْ للقضاءِ .
حُكْمٌ ماضٍ وقضاءٌ عَدْلٌ : وحُكمُ الرَّبِّ ماضٍ في عبدِه ، وقضاؤُه عدْلٌ فيه ، كما في الحديثِ : (( ماضٍ فيَّ حكمُك ، عَدْلٌ في قضاؤك )) . ومنْ لم يرض بالعدلِ ، فهو منْ أهلِ الظُّلمِ والجوْرِ . واللهُ أحكمُ الحاكمين ، وقدْ حرَّ الظلُّمَ على نفسِه ، وليس بظلاَّمٍ للعبيدِ ، وتقدَّس سبحانه وتنزَّه عنْ ظُلْمِ الناسِ ، ولكنّ أنْفُسهم يظلمون . وقولُه : ((عَدْلٌ في قضاؤك )) يَعُمُّ قضاء الذنبِ ، وقضاء أثرِهِ وعقوبتِه ، فإنَّ الأمرينِ منْ قضائِه عزَّ وجلَّ ، وهو أعدلُ العادلين في قضائِه بالذنبِ ، وفي قضائِه بعقوبتِه . وقد يقضي سبحانه بالذنبِ على العبدِ لأسرارٍ وخفايا هو أعْلَمُ بها ، قد يكونُ لها من المصالحِ العظيمِة ما لا يعلمُها إلا هُو .
لا فائدة في السُّخطِ : وعدمُ الرَّضا : إمَّا أنْ يكون لفواتِ ما أخطأهُ ممَّ يحبُّه ويريدهُ ، وإمّا لإصابةٍ بما يكرهُه ويُسخطُه . فإذا تيقَّن أنَّ ما أخطأه لم يكُنْ ليُصيبَه ، وما أصابه لم يكنْ ليُخطئه ، فلا فائدة في سخطِه بعد ذلك إلا فواتُ ما ينفعُه ، وحصولُ ما يضرُّه . وفي الحديث : (( جفَّ القلمُ بما أنت لاقٍ يا أبا هريرة ، فقدْ فُرِغَ من القضاءِ ، وانتُهِي من القدرِ ، وكُتِبتِ المقاديرُ ، ورُفِعتِ الأقلامُ ، وجفَّتِ الصُّحُفُ )) .
السلامةُ مع الرِّضا : والرضا يفتحُ له باب السلامةِ ، فيجعلُ قلبهُ سليماً ، نقيّاً من الغشِّ والدَّغلِ والغلِّ ، ولا ينجو منْ عذابِ اللهِ إلا منْ أتى الله بقلبٍ سليمٍ ، وهو السَّالِمُ من الشُّبهِ ، والشَّكِّ والشِّركِ ، وتلبُّسِ إبليس وجُندِه ، وتخذيلِهِ وتسويفِهِ، ووعْدِه ووعيدِه ، فهذا القلبُ ليس فيهِ إلا اللهُ: ﴿قُلِ اللّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ ﴾ . وكذلك تستحيلُ سلامةُ القلبِ من السُّخطِ وعدمِ الرضا ، وكلَّما كان العبدُ أشدَّ رضاً ، كان قلبُه أسْلَمَ . فالخبثُ والدَّغَلُ والغشُّ : قرينُ السُّخطِ . وسلامةُ القلبِ وبرُّه ونُصحُه : قرينُ الرضا . وكذلك الحسدُ هو منْ ثمراتِ السخطِ . وسلامةُ القلبِ منهُ : منْ ثمراتِ الرضا . فالرضا شجرةٌ طيِّبة ، تُسقى بماءِ الإخلاصِ في بستانِ التوحيدِ ، أصلُها الإيمانُ ، وأغصانُها الأعمالُ الصالحةُ ، ولها ثمرةٌ يانِعةٌ حلاوتُها . في الحديثِ : (( ذاق طعْم الإيمانِ منْ رضي باللهِ ربّاً ، وبالإسلام ديِناً ، وبحمدٍ نبياً )) . وفي الحديث أيضاً : (( ثلاثٌ منْ كنَّ فيه وجد بهنَّ حلاوة الإيمانِ .... )) .
السُّخْطُ بابُ الشَّكِّ : والسُّخطُ يفتحُ عليهِ باب الشَّكِّ في اللهِ ، وقضائه ، وقدرِه ، وحكمتِهِ وعلمِهِ ، فقلَّ أنْ يَسْلَمَ الساخِطُ منْ شكٍّ يُداخلُ قلبه ، ويتغلغلُ فيه ، وإنْ كان لا يشعرُ به ، فلوْ فتَّش نفسه غاية التفتيشِ ، لوَجَدَ يقينهُ معلولاً مدخولاً ، فإنَّ الرضا واليقين أخوانِ مُصطحبانِ ، والشَّكَّ والسُّخط قرينانِ ، وهذا معنى الحديثِ الذي في الترمذيِّ : (( إنِ استطعت أن تعمل بالرِّضا مع اليقينِ ، فافعل . فإن لم تستطع ، فإن في الصبر على ما تكره النَّفْسُ خيْراً كثيراً )) . فالساخطُون ناقِمون منْ الداخلِ ، غاضبِون ولوْ لمْ يتكلمَّوا ، عندهم إشكالاتٌ وأسئلةٌ ، مفادُها : لِم هذا ؟ وكيف يكونُ هذا ؟ ولماذا وقع هذا ؟
الرِّضا غِنىً وأمْنٌ : ومنْ ملأ قلبه من الرضا بالقدر ، ملأ اللهُ صدرهُ غِنىً وأمْناً وقناعةً ، وفرَّغ قلبه لمحبَّتِه والإنابِة إليه ، والتَّوكُّلِ عليه . ومنْ فاته حظُّه من الرِّضا ، امتلأ قلبُه بضدِّ ذلك ، واشتغل عمَّا فيه سعادتُه وفلاحُه . فالرِّضا يُفرِّغُ القلب للهِ ، والسخطُ يفرِّغُ القلب من اللهِ ، ولا عيش لساخِطٍ ، ولا قرار لناقِمٍ ، فهو في أمر مريجٍ ، يرى أنَّ رزقهُ ناقصٌ ، وحظَّهُ باخِسٌ ، وعطيَّتهُ زهيدةٌ ، ومصائبهُ جمَّةٌ ، فيرى أنه يستحقّ أكْثر منْ هذا ، وأرفع وأجلَّ ، لكنّ ربَّه – في نظرِهِ – بخسهُ وحَرَمَه ومنعَهُ وابتلاه ، وأضناهُ وأرهَقَه ، فكيف يأنسُ وكيف يرتاح ، وكيف يحيا ؟ ﴿ ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ ﴾ .
ثمرةُ الرِّضا الشُّكْرُ : والرضا يُثمرُ الشكر الذي هو منْ أعلى مقاماتِ الإيمانِ ، بل هو حقيقةُ الإيمانِ . فإنَّ غاية المنازلِ شكرِ المولى ، ولا يشكُرُ اللهُ منْ يرضى بمواهبه وأحكامِه ، وصُنعِه وتدبيرِه ، وأخذِه وعطائِه ، فالشاكرُ أنْعمُ الناسِ بالاً ، وأحسنُهم حالاً .
ثمرةُ السُّخطِ الكفرُ : والسخطُ يُثمِر ضدَّه ، وهو كُفْرُ النِّعمِ ، وربما أثمر له كُفْر المنعِم . فإذا رضي العبدُ عن ربِّه في جميعِ الحالاتِ ، أوجب له لذلك شُكره ، فيكونُ من الراضين الشاكرين . وإذا فاتهُ الرضا ، كان من الساخطين ، وسلك سُبُل الكافرين . وإنما وقع الحيْفُ في الاعتقاداتِ والخللُ في الدياناتِ مِنْ كوْنٍ كثيرٍ من العبيدِ يريدون أن يكونوا أرباباً ، بلْ يقترحون على ربِّهم ، ويُحِلُّون على مولاهم ما يريدون: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ﴾ .
السُّخطُ مصيدةٌ للشيطانِ : والشيطانُ إنما يظفرُ بالإنسانِ غالباً عند السخطِ والشهوةِ ، فهناك يصطادُه ، ولاسيَّما إذا استحكم سخطُه ، فإنهُ يقولُ ما لا يُرضي الرَّبَّ ، ويفعلُ ما لا يُرضيه ، وينوي ما لا يُرضيهِ ، ولهذا قال النبيَّ عند موت ابنهِ إبراهيم : (( يحزنُ القلبُ وتدمعُ العينُ ، ولا نقولُ إلا ما يُرضي ربَّنا )) . فإنَّ موت البنين من العوارضِ التي تُوجِبُ للعبدِ السخط على القَدَرِ ، فأخبرَ النبيُّ أنهُ لا يقولُ في مثْلِ هذا المقامِ – الذي يسخطُه أكثرُ الناسِ ، فيتكلَّمون بما لا يُرضي الله ، ويفعلون ما لا يرضيه – إلا ما يُرضي ربَّه تبارك وتعالى . ولو لمح العبدُ في القضاءِ بما يراهُ مكروهاً إلى ثلاثةِ أُمورٍ ، لهان عليه المصابُ . أوَّلها : علمُه بحكمةِ المقدِّرِ جلَّ في علاه ، وأنهُ أخْبَرُ بمصلحةِ العبدِ وما ينفعُه . ثانيها : أنْ ينظر للأجرِ العظيمِ والثوابِ الجزيلٍ ، كما وعد اللهُ منْ أُصِيب فصبر مِنْ عبادِهِ . ثالثُها : أن الحُكم والأمر للرَّبِّ ، والتسليم والإذعان للعبدِ : ﴿ أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ ﴾ .
الرِّضا يُخرجُ الهوى : والرضا يُخرجُ الهوى من القلبِ ، فالراضي هواهُ تبعٌ لمرادِ ربِّه منه ، أعني المراد الذي يحبُّه ربُّه ويرضاهُ ، فلا يجتمعُ الرضا واتِّباعُ الهوى في القلبِ أبداً ، وإنْ كان معهُ شُعبةٌ منْ هذا ، وشعبةٌ منْ هذا ، فهو للغالِب عليه منهما . إنْ كان رضاكُم في سهري فسلامُ اللهِ على وَسَنِي
﴿ وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى ﴾ .
إنْ كان سرَّكُمُ ما قال حاسِدُنا فما لجرْجٍ إذا أرضاكمو ألمُ
****************************************** وقفـــة
(( تعرَّفْ إلى اللهِ في الرخاءِ ، يعرفْك في الشِّدَّة )) . « (تعرَّفْ) بتشديدِ الرَّاءِ (إلى اللهِ) أيْ : تحبَّبْ وتقرَّبْ إليهِ بطاعتِه ، والشُّكرِ لهُ على سابغِ نعمتِه ، والصبر تحت مُرِّ أقْضِيتِهِ ، وصدْقِ الالتجاءِ الخاصِ قبل نزولِ بليَّتِه . (في الرخاءِ) أيْ : في الدَّعةِ والأمْنِ والنعمةِ وسَعَةِ العمرِ وصحَّةِ البدنِ ، فالزمِ الطاعاتِ والإنفاق في القُرُباتِ ، حتى تكون متَّصِفاً عنده بذلك ، معروفاً به . (يعرفْك في الشِّدَّة) بتفريجِها عنك ، وجعْلِه لك منْ كلِّ ضِيقٍ مخرجاً ، ومنْ كلِّ همٍّ فرجاً ، بما سلف منْ ذلك التَّعرُّفِ » . « ينبغي أنْ يكون بين العبدِ وبين رِّبهِ معرفةٌ خاصَّةٌ بقلبِهِ ، بحيثُ يجدُه قريباً للاستغناءِ لهُ منهُ ، فيأنسُ بهِ في خلوتِه ، ويجدُ حلاوة ذكْرِه ودعائِه ومناجاتِه وطاعتِه ، ولا يزالُ العبدُ يقع في شدائد وكُربٍ في الدنيا والبرْزخِ والموقفِ ، فإذا كان بينهُ وبين ربِّه معرفةٌ خاصَّة ، كفاهُ ذلك كلُّه » . ************************************* | |
|
| |
نسيم السحر
عدد المساهمات : 242 تاريخ التسجيل : 20/06/2009 العمر : 43 الموقع : سورية ____ حلب
| موضوع: رد: لا تحزن للشيخ / عائض القرني الخميس يونيو 25, 2009 5:27 pm | |
| الإغضاءُ عنِ هفواتِ الإخوانِ ﴿ خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ ﴾ . لا ينبغي أنْ يزهد فيهِ – أي الأخ- لخُلُقٍ أو خُلُقَيْن ينكرُهما منهُ، إذا رضي سائر أخلاقِه ، وحمِد أكثرَ شِيمِه ، لأنَّ اليسير مغفورٌ ، والكمال مُعوزٌ ، وقدْ قال الكِنْديُّ : كيف تريدُ منْ صديقِك خُلُقاً واحداً ، وهو ذو طبائع أربعٍ . مع أنَّ نفْس الإنسانِ التي هي أخصُّ النفوسِ به ، ومدبَّرةٌ باختيارِه وإرادتِه ، لا تُعطيه قيِادها في كلِّ ما يريدُ ، ولا تُجيبُه إلى طاعتِه في كلِّ ما يجبُ ، فكيف بنفسِ غيرِه ؟! ﴿ كَذَلِكَ كُنتُم مِّن قَبْلُ فَمَنَّ اللّهُ عَلَيْكُمْ ﴾ ، ﴿ فَلَا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى ﴾ . وحسْبُك أنْ يكون لك منْ أخيك أكثرُه ، وقدْ قال أبو الدرداءِ – رضي الله عنه - : مُعاتبَةُ الأخِ خَيْرٌ منْ فقْدِه ، منْ لك بأخيك كلِّه ؟! فأخذ الشعراءُ هذا المعنى ، فقال أبو العتاهية : أَأُخيَّ منْ لك مِن بني الد نيا بكلِّ أخيك منْ لكْ
فاسْتبْقِ بعضك لا يَمَلُّـ
ـك كلُّ منْ لم تُعْطِ كُلَّكْ
وقال أبو تمامٍ الطائيُّ : ما غبن المغبون مِثْلُ عقْلِهِ منْ لك يوماً بأخيك كُلِّهِ
وقال بعضُ الحكماء : طَلَبُ الإنصافِ ، مِنْ قلَّةِ الإنصافِ . وقال بعضُهم : نحنُ ما رضِينا عنْ أنفُسِنا ، فكيف نرضى عنْ غيرِنا !! وقال بعضُ البلغاءِ : لا يُزهدنَّك في رجلٍ حمدت سيرته ، وارتضيت وتيرته ، وعرفت فَضْله ، وبطنت عقله – عَيْبٌ خفيٌّ ، تحيطُ به كثرةُ فضائلِه ، أو ذنبٌ صغيرٌ تستغفرُ له قوةُ وسائلِه ، فإنك لنْ تجِد – ما بقيت – مُهذَّباً لا يكونُ فيه عيبٌ ، ولا يقعُ منه ذنبٌ ، فاعتبرْ بنفسك بعدُ ألاَّ تراها بعينِ الرضا ، ولا تجري فيها على حُكمِ الهوى ، فإنَّ في اعتبارِك بها ، واختبارِك لها ، ما يُواسيك مما تطلبُ ، ويعطِفك على منْ يُذنبُ ، وقد قال الشاعرُ : ومنْ ذا الذي تُرضى سجاياهُ كلُّها كفى المرء نُبلاً أنْ تُعدَّ معايبُهْ
وقال النابغةُ الذُّبيانيُّ : ولست بمُسْتبْقٍ أخاً لا تلُمُّهُ على شعثٍ أيُّ الرِّجالِ المهذَّبِ
وليس ينقضُ هذا القول ما وصفناهُ منْ اختبارِه ، واختبارِ الخصالِ الأربع فيه ، لأنَّ ما اعوز فيه معفوٌّ عنهُ ، هذا لا ينبغي أنْ تُوحشك فترةٌ تجدُها منهُ ، ولا أنْ تُسيء الظَّنَّ في كبوةٍ تكونُ منه ، ما لم تتحقَّق تغيُّره ، وتتيقَّن تنكُّره ، وليصرفْ ذلك إلى فتراتِ النفوسِ ، واستراحاتِ الخواطرِ ، فإنَّ الإنسان قد يتغيَّرُ عنْ مُراعاةِ نفسِه التي هي أخصُّ النفوسِ به ، ولا يكونُ ذلك منْ عداوةٍ لها ، ولا مللٍ منها . وقدْ قيل في منثورِ الحِكمِ : لا يُفسِدنَّك الظَّنُّ على صديقٍ قد أصلحك اليقينُ له . وقال جعفرُ بنُ محمدٍ لابنِه : يا بُنيَّ ، منْ غضب من إخوانِك ثلاث مرَّاتٍ ، فلمْ يقُل فيك سوى الحقِّ ، فاتخِذْه لنفسِك خِلاّ . وقال الحسنُ بنُ وهبٍ : منْ حقوقٍ المودَّةِ أخْذُ عَفْوِ الإخوانِ ، والإغضاءُ عن تقصير إن كان . وقد روي عنْ عليٍّ – رضي اللهُ عنهُ – في قولِه تعالى : ﴿ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ ﴾ ، قال : الرِّضا بغيرِ عتابٍ . وقال ابنُ الروميِّ : همُ الناسُ والدنيا ولابُدَّ منْ قذىً يُلِمُّ بعينٍ أو يُكدِّرُ مشْربا
ومنْ قلّةِ الإنصافِ أنَّك تبتغي الـ
ـمُهذَّب في الدنيا ولست المهذَبا
وقال بعضُ الشعراءِ : تَوَاصُلُنا على الأيامِ باقٍ ولكنْ هجرُنا مطرُ الرَّبيعِ
يرُوعُك صَوْبُهُ لكنْ تراهُ
على علاَّتِهِ داني النُّزُوعِ
معاذ اللهِ أنْ تلقى غِضاباً
سوى دلُ المطاعِ على المُطيعِ
﴿ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ أَبَداً ﴾ تريدُ مُهذَّباً لا عيب فيه وهلْ عُودٌ يفُوحُ بلا دُخانِ
﴿ فَلَا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى ﴾ . ************************************************ الصِّحَّةُ والفراغُ
ينبغي ألا تضيِّع صِحَّة جسمِك ، وفراغ وقتِك ، بالتقصيرِ في طاعةِ ربِّك ، والثِّقةِ بسالفِ عمِلك ، فاجعلْ الاجتهاد غنيمة صحَّتِك ، والعمل فرصة فراغِك ، فليس كلُّ الزمانِ مستعداً ولا ما فات مستدركاً ، وللفراغِ زيْغٌ أو ندمٌ ، وللخْلوةِ مَيْلٌ أو أسفٌ . وقال عمرُ بنُ الخطابِ : الراحةُ للرجالِ غفْلةٌ ، وللنساءِ غُلْمةٌ . وقال بزرجمهرُ : إنْ يكنِ الشغلُ مَجْهَدةً ، فالفراغُ مفْسدَةٌ . وقال بعضُ الحكماءِ : إيَّاكمْ والخلواتِ ، فإنها تُفسدُ العقول ، وتعقِدُ المحلول . وقال بعضُ البلغاءِ : لا تمضِ يومك في غير منفعةٍ ، ولا تضعْ مالك في غيْر صنيعةٍ ، فالعمرُ أقصرُ منْ ينفَدَ في غيرِ المنافعِ ، والمالُ أقلُّ منْ أنْ يُصرف في غيرِ الصانع ، والعاقلُ أجلُّ منْ أنْ يُفني أيامه فيما لا يعودُ عليه نفعُه وخيرهُ ، ويُنفق أموالهُ فيما لا يحصُل له ثوابُه وأجْرُه . وأبلغُ منْ ذلك قولُ عيس ابن مريم ، على نبينا وعليه السلامُ : البرُّ ثلاثةٌ : المنطقُ ، والنَّظرُ ، والصَّمتُ ، فمنْ كان منطقُه في غيرِ ذكرٍ فقد لغا، ومنْ كان نظرُه في غيْرِ اعتبارٍ فقدْ سها ، ومنْ كان صمْته في غيرِ فِكْرٍ فقد لها . ******************************************** اللهُ وليُّ الذين آمنُوا العبدُ بحاجةٍ إلى إلهٍ ، وفي ضرورةٍ إلى مولىً ، ولابدَّ في الإلهِ من القُدرةِ والنُّصرةِ ، والحُكمِ ، والغنمِ ، والغناءِ والقوةِ ، والبقاءِ . والمُتَّصِفِ بذلك هو الواحدُ الأحدُ الملكُ المهيمنُ ، جلَّ في علاه . فليس في الكائناتِ ما يسكُن العبدُ إليهِ ويطمئنُّ به ، ويتنعَّمُ بالتَّوجُّه إليه إلا اللهُ سبحانه ، فهو ملاذُ الخائفين ، ومعاذُ المُلجئِين ، وغوْثُ المستغيثين ، وجارُ المستجيرين : ﴿ إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ ﴾ ، ﴿ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ ﴾ ، ﴿ لَيْسَ لَهُم مِّن دُونِهِ وَلِيٌّ وَلاَ شَفِيعٌ ﴾ ، ومنْ عبد غيْر اللهِ ، وإنْ أحبَّه وحصل له به مودَّةٌ في الحياةِ الدنيا ، ونوعٌ من اللَّذَّةِ – فهو مَفْسَدةٌ لصاحبه أعظمُ منْ مفسدةِ التذاذِ أكلِ الطعامِ المسمومِ ﴿ لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ ﴾ فإنَّ قوامهُما بأنْ تألها الإله الحقَّ ، فلو كان فيهما آلهةٌ غيرُ اللهِ ، لم يكنْ إلهاً حقّاً ، إذ اللهُ لا سمِيّ له ولا مِثْل له ، فكانتْ تفسُد ، لانتفاء ما به صلاحُها ، هذا من جهة الإلهية . فعُلِم بالضرورة اضطرار العبدِ إلى إلهِهِ ومولاهُ وكافِيهِ وناصرِه ، وهو اتِّصالُ الفاني بالباقي ، والضعيفِ بالقويِّ ، والفقيرِ بالغنيِّ ، وكلُّ منْ لم يتَّخِذ الله ربّاً وإلهاً ، اتَّخذ غيره من الأشياءِ والصورِ والمحبوباتِ والمرغوباتِ ، فصار عبداً لها وخادماً ، لا محالة في ذلك : ﴿ أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ ﴾ ، ﴿وَاتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ آلِهَةً ﴾ . وفي الحديثِ : (( يا حُصيْنُ ، كم تعبدُ ؟ )) قال : أعبدُ سبعةً ، ستةً في الأرضِ ، وواحداً في السماءِ . قال : (( فمنْ لِرغبِك ولِرهبِك ؟ )) . قال : الذي في السماءِ . قال : (( فاترُكِ التي في الأرضِ ، واعبُدِ الذي في السماءِ )) . واعلمْ أنَّ فقر العبدِ إلى اللهِ ، أنْ يعبد الله لا يُشركُ به شيئاً ، ليس له نظيرٌ فيُقاسُ به ، لكنْ يُشبِهُ – منْ بعضِ الوجوهِ – حاجة الجسدِ إلى الطعامِ والشرابِ ، وبينهما فروقٌ كثيرةٌ . فإنَّ حقيقة العبدِ قلبُه ورُوحُه ، وهي لا صلاح لها إلا بإلهها اللهِ الذي لا إله إلا هو ، فلا تطمئنَّ في الدنيا إلا بذكْرِه ، وهي كادحةٌ إليه كدْحاً فمُلاقيتُه ، ولابُدَّ لها منْ لقائِه ، ولا صلاح لها إلا بلقائِهِ . ومنْ لقاء اللهِ قد أحبَّا كان له اللهُ أشدَّ حُبّا
وعكسُه الكارِهُ فالله اسألْ رحْمتهُ فضلاً ولا تتكِلْ
ولو حصل للعبد لذَّاتٌ أو سرورٌ بغيرِ اللهِ ، فلا يدومُ ذلك ، بلْ ينتقلُ منْ نوع إلى نوع ، ومنْ شخصٍ إلى شخصٍ ، ويتنعَّمُ بهذا في وقتٍ وفي بعض الأحوالِ ، وتارةً أُخرى يكون ذلك الذي يتنعَّمُ به ويلتذُّ ، غير منعّمٍ لهُ ولا ملتذٍّ له ، بلْ قد يُؤذيهِ اتّصالُه به ووجودُه عنده ، ويضرُّه ذلك . وأمّا إلههُ فلابُدَّ لهُ منه في كلِّ حالٍ وكلِّ وقتِ ، وأينما كان فهو معه . عساك ترضى وكلُّ الناسِ غاضبةٌ إذا رضيت فهذا مُنتهى أملي
وفي الحديثِ : (( منْ أرضى الله بسخطِ الناسِ ، رضي الله عليه ، وأرضى عنه الناس . ومنْ أسخط الله برضا الناس ، سخِط اللهُ عليه وأسخط عليهِ الناس )) . ولا زلتُ أذكرُ قصَّة (العكوَّك ) الشاعرِ وقدْ مدح أبا دلفٍ الأمير فقال : ولا مددْت يداً بالخيرِ واهِبةً إلاَّ قضيت بأرزاقٍ وآجالِ
فسلَّط اللهُ عليهِ المأمون فَقَتَلَه على بساطِهِ بسببِ هذا البيت ﴿ وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ ﴾ . **************************************** | |
|
| |
نسيم السحر
عدد المساهمات : 242 تاريخ التسجيل : 20/06/2009 العمر : 43 الموقع : سورية ____ حلب
| موضوع: رد: لا تحزن للشيخ / عائض القرني الخميس يونيو 25, 2009 5:28 pm | |
| الإغضاءُ عنِ هفواتِ الإخوانِ ﴿ خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ ﴾ . لا ينبغي أنْ يزهد فيهِ – أي الأخ- لخُلُقٍ أو خُلُقَيْن ينكرُهما منهُ، إذا رضي سائر أخلاقِه ، وحمِد أكثرَ شِيمِه ، لأنَّ اليسير مغفورٌ ، والكمال مُعوزٌ ، وقدْ قال الكِنْديُّ : كيف تريدُ منْ صديقِك خُلُقاً واحداً ، وهو ذو طبائع أربعٍ . مع أنَّ نفْس الإنسانِ التي هي أخصُّ النفوسِ به ، ومدبَّرةٌ باختيارِه وإرادتِه ، لا تُعطيه قيِادها في كلِّ ما يريدُ ، ولا تُجيبُه إلى طاعتِه في كلِّ ما يجبُ ، فكيف بنفسِ غيرِه ؟! ﴿ كَذَلِكَ كُنتُم مِّن قَبْلُ فَمَنَّ اللّهُ عَلَيْكُمْ ﴾ ، ﴿ فَلَا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى ﴾ . وحسْبُك أنْ يكون لك منْ أخيك أكثرُه ، وقدْ قال أبو الدرداءِ – رضي الله عنه - : مُعاتبَةُ الأخِ خَيْرٌ منْ فقْدِه ، منْ لك بأخيك كلِّه ؟! فأخذ الشعراءُ هذا المعنى ، فقال أبو العتاهية : أَأُخيَّ منْ لك مِن بني الد نيا بكلِّ أخيك منْ لكْ
فاسْتبْقِ بعضك لا يَمَلُّـ
ـك كلُّ منْ لم تُعْطِ كُلَّكْ
وقال أبو تمامٍ الطائيُّ : ما غبن المغبون مِثْلُ عقْلِهِ منْ لك يوماً بأخيك كُلِّهِ
وقال بعضُ الحكماء : طَلَبُ الإنصافِ ، مِنْ قلَّةِ الإنصافِ . وقال بعضُهم : نحنُ ما رضِينا عنْ أنفُسِنا ، فكيف نرضى عنْ غيرِنا !! وقال بعضُ البلغاءِ : لا يُزهدنَّك في رجلٍ حمدت سيرته ، وارتضيت وتيرته ، وعرفت فَضْله ، وبطنت عقله – عَيْبٌ خفيٌّ ، تحيطُ به كثرةُ فضائلِه ، أو ذنبٌ صغيرٌ تستغفرُ له قوةُ وسائلِه ، فإنك لنْ تجِد – ما بقيت – مُهذَّباً لا يكونُ فيه عيبٌ ، ولا يقعُ منه ذنبٌ ، فاعتبرْ بنفسك بعدُ ألاَّ تراها بعينِ الرضا ، ولا تجري فيها على حُكمِ الهوى ، فإنَّ في اعتبارِك بها ، واختبارِك لها ، ما يُواسيك مما تطلبُ ، ويعطِفك على منْ يُذنبُ ، وقد قال الشاعرُ : ومنْ ذا الذي تُرضى سجاياهُ كلُّها كفى المرء نُبلاً أنْ تُعدَّ معايبُهْ
وقال النابغةُ الذُّبيانيُّ : ولست بمُسْتبْقٍ أخاً لا تلُمُّهُ على شعثٍ أيُّ الرِّجالِ المهذَّبِ
وليس ينقضُ هذا القول ما وصفناهُ منْ اختبارِه ، واختبارِ الخصالِ الأربع فيه ، لأنَّ ما اعوز فيه معفوٌّ عنهُ ، هذا لا ينبغي أنْ تُوحشك فترةٌ تجدُها منهُ ، ولا أنْ تُسيء الظَّنَّ في كبوةٍ تكونُ منه ، ما لم تتحقَّق تغيُّره ، وتتيقَّن تنكُّره ، وليصرفْ ذلك إلى فتراتِ النفوسِ ، واستراحاتِ الخواطرِ ، فإنَّ الإنسان قد يتغيَّرُ عنْ مُراعاةِ نفسِه التي هي أخصُّ النفوسِ به ، ولا يكونُ ذلك منْ عداوةٍ لها ، ولا مللٍ منها . وقدْ قيل في منثورِ الحِكمِ : لا يُفسِدنَّك الظَّنُّ على صديقٍ قد أصلحك اليقينُ له . وقال جعفرُ بنُ محمدٍ لابنِه : يا بُنيَّ ، منْ غضب من إخوانِك ثلاث مرَّاتٍ ، فلمْ يقُل فيك سوى الحقِّ ، فاتخِذْه لنفسِك خِلاّ . وقال الحسنُ بنُ وهبٍ : منْ حقوقٍ المودَّةِ أخْذُ عَفْوِ الإخوانِ ، والإغضاءُ عن تقصير إن كان . وقد روي عنْ عليٍّ – رضي اللهُ عنهُ – في قولِه تعالى : ﴿ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ ﴾ ، قال : الرِّضا بغيرِ عتابٍ . وقال ابنُ الروميِّ : همُ الناسُ والدنيا ولابُدَّ منْ قذىً يُلِمُّ بعينٍ أو يُكدِّرُ مشْربا
ومنْ قلّةِ الإنصافِ أنَّك تبتغي الـ
ـمُهذَّب في الدنيا ولست المهذَبا
وقال بعضُ الشعراءِ : تَوَاصُلُنا على الأيامِ باقٍ ولكنْ هجرُنا مطرُ الرَّبيعِ
يرُوعُك صَوْبُهُ لكنْ تراهُ
على علاَّتِهِ داني النُّزُوعِ
معاذ اللهِ أنْ تلقى غِضاباً
سوى دلُ المطاعِ على المُطيعِ
﴿ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ أَبَداً ﴾ تريدُ مُهذَّباً لا عيب فيه وهلْ عُودٌ يفُوحُ بلا دُخانِ
﴿ فَلَا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى ﴾ . ************************************************ الصِّحَّةُ والفراغُ
ينبغي ألا تضيِّع صِحَّة جسمِك ، وفراغ وقتِك ، بالتقصيرِ في طاعةِ ربِّك ، والثِّقةِ بسالفِ عمِلك ، فاجعلْ الاجتهاد غنيمة صحَّتِك ، والعمل فرصة فراغِك ، فليس كلُّ الزمانِ مستعداً ولا ما فات مستدركاً ، وللفراغِ زيْغٌ أو ندمٌ ، وللخْلوةِ مَيْلٌ أو أسفٌ . وقال عمرُ بنُ الخطابِ : الراحةُ للرجالِ غفْلةٌ ، وللنساءِ غُلْمةٌ . وقال بزرجمهرُ : إنْ يكنِ الشغلُ مَجْهَدةً ، فالفراغُ مفْسدَةٌ . وقال بعضُ الحكماءِ : إيَّاكمْ والخلواتِ ، فإنها تُفسدُ العقول ، وتعقِدُ المحلول . وقال بعضُ البلغاءِ : لا تمضِ يومك في غير منفعةٍ ، ولا تضعْ مالك في غيْر صنيعةٍ ، فالعمرُ أقصرُ منْ ينفَدَ في غيرِ المنافعِ ، والمالُ أقلُّ منْ أنْ يُصرف في غيرِ الصانع ، والعاقلُ أجلُّ منْ أنْ يُفني أيامه فيما لا يعودُ عليه نفعُه وخيرهُ ، ويُنفق أموالهُ فيما لا يحصُل له ثوابُه وأجْرُه . وأبلغُ منْ ذلك قولُ عيس ابن مريم ، على نبينا وعليه السلامُ : البرُّ ثلاثةٌ : المنطقُ ، والنَّظرُ ، والصَّمتُ ، فمنْ كان منطقُه في غيرِ ذكرٍ فقد لغا، ومنْ كان نظرُه في غيْرِ اعتبارٍ فقدْ سها ، ومنْ كان صمْته في غيرِ فِكْرٍ فقد لها . ******************************************** اللهُ وليُّ الذين آمنُوا العبدُ بحاجةٍ إلى إلهٍ ، وفي ضرورةٍ إلى مولىً ، ولابدَّ في الإلهِ من القُدرةِ والنُّصرةِ ، والحُكمِ ، والغنمِ ، والغناءِ والقوةِ ، والبقاءِ . والمُتَّصِفِ بذلك هو الواحدُ الأحدُ الملكُ المهيمنُ ، جلَّ في علاه . فليس في الكائناتِ ما يسكُن العبدُ إليهِ ويطمئنُّ به ، ويتنعَّمُ بالتَّوجُّه إليه إلا اللهُ سبحانه ، فهو ملاذُ الخائفين ، ومعاذُ المُلجئِين ، وغوْثُ المستغيثين ، وجارُ المستجيرين : ﴿ إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ ﴾ ، ﴿ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ ﴾ ، ﴿ لَيْسَ لَهُم مِّن دُونِهِ وَلِيٌّ وَلاَ شَفِيعٌ ﴾ ، ومنْ عبد غيْر اللهِ ، وإنْ أحبَّه وحصل له به مودَّةٌ في الحياةِ الدنيا ، ونوعٌ من اللَّذَّةِ – فهو مَفْسَدةٌ لصاحبه أعظمُ منْ مفسدةِ التذاذِ أكلِ الطعامِ المسمومِ ﴿ لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ ﴾ فإنَّ قوامهُما بأنْ تألها الإله الحقَّ ، فلو كان فيهما آلهةٌ غيرُ اللهِ ، لم يكنْ إلهاً حقّاً ، إذ اللهُ لا سمِيّ له ولا مِثْل له ، فكانتْ تفسُد ، لانتفاء ما به صلاحُها ، هذا من جهة الإلهية . فعُلِم بالضرورة اضطرار العبدِ إلى إلهِهِ ومولاهُ وكافِيهِ وناصرِه ، وهو اتِّصالُ الفاني بالباقي ، والضعيفِ بالقويِّ ، والفقيرِ بالغنيِّ ، وكلُّ منْ لم يتَّخِذ الله ربّاً وإلهاً ، اتَّخذ غيره من الأشياءِ والصورِ والمحبوباتِ والمرغوباتِ ، فصار عبداً لها وخادماً ، لا محالة في ذلك : ﴿ أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ ﴾ ، ﴿وَاتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ آلِهَةً ﴾ . وفي الحديثِ : (( يا حُصيْنُ ، كم تعبدُ ؟ )) قال : أعبدُ سبعةً ، ستةً في الأرضِ ، وواحداً في السماءِ . قال : (( فمنْ لِرغبِك ولِرهبِك ؟ )) . قال : الذي في السماءِ . قال : (( فاترُكِ التي في الأرضِ ، واعبُدِ الذي في السماءِ )) . واعلمْ أنَّ فقر العبدِ إلى اللهِ ، أنْ يعبد الله لا يُشركُ به شيئاً ، ليس له نظيرٌ فيُقاسُ به ، لكنْ يُشبِهُ – منْ بعضِ الوجوهِ – حاجة الجسدِ إلى الطعامِ والشرابِ ، وبينهما فروقٌ كثيرةٌ . فإنَّ حقيقة العبدِ قلبُه ورُوحُه ، وهي لا صلاح لها إلا بإلهها اللهِ الذي لا إله إلا هو ، فلا تطمئنَّ في الدنيا إلا بذكْرِه ، وهي كادحةٌ إليه كدْحاً فمُلاقيتُه ، ولابُدَّ لها منْ لقائِه ، ولا صلاح لها إلا بلقائِهِ . ومنْ لقاء اللهِ قد أحبَّا كان له اللهُ أشدَّ حُبّا
وعكسُه الكارِهُ فالله اسألْ رحْمتهُ فضلاً ولا تتكِلْ
ولو حصل للعبد لذَّاتٌ أو سرورٌ بغيرِ اللهِ ، فلا يدومُ ذلك ، بلْ ينتقلُ منْ نوع إلى نوع ، ومنْ شخصٍ إلى شخصٍ ، ويتنعَّمُ بهذا في وقتٍ وفي بعض الأحوالِ ، وتارةً أُخرى يكون ذلك الذي يتنعَّمُ به ويلتذُّ ، غير منعّمٍ لهُ ولا ملتذٍّ له ، بلْ قد يُؤذيهِ اتّصالُه به ووجودُه عنده ، ويضرُّه ذلك . وأمّا إلههُ فلابُدَّ لهُ منه في كلِّ حالٍ وكلِّ وقتِ ، وأينما كان فهو معه . عساك ترضى وكلُّ الناسِ غاضبةٌ إذا رضيت فهذا مُنتهى أملي
وفي الحديثِ : (( منْ أرضى الله بسخطِ الناسِ ، رضي الله عليه ، وأرضى عنه الناس . ومنْ أسخط الله برضا الناس ، سخِط اللهُ عليه وأسخط عليهِ الناس )) . ولا زلتُ أذكرُ قصَّة (العكوَّك ) الشاعرِ وقدْ مدح أبا دلفٍ الأمير فقال : ولا مددْت يداً بالخيرِ واهِبةً إلاَّ قضيت بأرزاقٍ وآجالِ
فسلَّط اللهُ عليهِ المأمون فَقَتَلَه على بساطِهِ بسببِ هذا البيت ﴿ وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ ﴾ . **************************************** | |
|
| |
نسيم السحر
عدد المساهمات : 242 تاريخ التسجيل : 20/06/2009 العمر : 43 الموقع : سورية ____ حلب
| موضوع: رد: لا تحزن للشيخ / عائض القرني الخميس يونيو 25, 2009 5:30 pm | |
| إشاراتٌ في طريقِ الباحِثِين
للسعادةِ والفلاحِ علاماتٌ تلوحُ ، وإشاراتٌ تظهرُ ، وهي شهودٌ على رقيِّ صاحبها ، ونجاحِ حامِلها ، وفلاحِ منِ اتَّصف بها . فمنْ علاماتِ السعادةِ والفلاحِ : أنَّ العبد كلَّما زاد وزُنه ونفاستُه ، غاص في قاعِ البحارِ ، فهو يعلمُ أنَّ العلم موهبةٌ راسخةٌ يمتحِنُ اللهُ بها منْ شاء ، فإنْ أحْسَنَ شُكَرَها ، وأحسن في قبُولِهِ ، رَفعهُ به درجاتٍ ﴿ يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ﴾ . وكلَّما زِيد في عملهِ ، زيد في خوفِهِ وحَذَرِه ، فهو لا يأمنُ عثرة القدمِ ، وزلَّة اللسانِ ، وتقلُّب القلبِ ، فهو في مُحاسبةٍ ومُراقبةٍ كالطائرِ الحذِر ، كلَّما وقع على شجرةٍ تركها لأخرى ، يخافُ مهارة القنَّاص ، وطائشة الرصاصِ . وكلَّما زيد في عمرِه ، نقص من حِرْصِهِ ويعلمُ علم اليقينِ أنَّهُ قدِ اقترب من المنتهى ، وقطع المرحلة ، وأشرف على وادي اليقين . وهو كلَّما زِيد في مالِه ، زيد في سخائِه وبذْلهِ ؛ لأنَّ المال عاريةٌ ، والواهب ممتحنٌ ، ومناسباتِ الإمكانِ فُرصٌ ، والموت بالمرصادِ . وهو كلَّما زيد في قدْرِه وجاهِه ، زيد في قُربِه من الناسِ وقضاءِ حوائجِهم والتَّواضُعِ لهم ؛ لأنَّ العباد عيالُ الله ، وأحبُّهم إلى اللهِ أنفعُهم لعيالِه . وعلاماتُ الشقاوةِ : أنَّ كلَّما زيد في علمِهِ ، زيد في كِبْره وتيههِ ، فعلْمُه غيرُ نافعٍ ، وقلبُه خاوٍ ، وطبيعتُه ثخينةٌ ، وطينتُه سِباخٌ وعْرةٌ . وهو كَّلما زيد في عملِه ، زِيد في فخْره واحتقارِه للناس ، وحُسْنِ ظنَّه بنفسهِ . فهو الناجي وحده ، والباقون هلْكى ، وهو الضامنُ جواز المفازةِ ، والآخرون على شفا المتالِفِ . وهو كلَّما زِيد في عمرِه ، زيد في حِرصِهِ ، فهو جمُوعٌ منُوعٌ ، لا تُحرِّكهُ الحوادِثُ ، ولا تُزعزعُه المصائبُ ، ولا تُوقِظهُ القوارِعُ . وهو كلَّما زِيد في مالِه ، زيد في بُخلِه وإمساكِه ، فقلْبُه مقفرٌ من القِيم ، وكفُّه شحيحةٌ بالبذْلِ ، ووجهُه صفيقٌ عريَّ من المكارمِ . وهو كلَّما زيد في قدْرِه وجاهِه ، زيِد في كِبرِه وتيْهِه ، فهو مغرورٌ مدحورٌ ، طائشُ الإرادةِ منتفخُ الرِّئةِ ، مريشُ الجناحِ ، لكنَّه في النهايةِ لا شيء : (( يُحشر المتكبَّرون يوم القيامةِ في صورةِ الذَّرِّ ، يطؤهُمْ الناسُ بأقدامِهمْ )) . وهذهِ الأموُر ابتلاءٌ من اللهِ وامتحانٌ ، يَبْتَلي بها عباده فيسْعدُ بها أقوامٌ ، ويشقى بها آخرون . ****************************************
همَّةٌ تنطحُ الثُّريَّا
إذا أُعطي العبدُ همَّةً كبرى ، ارتحلتْ بهِ في دروبِ الفضائلِ ، وصعِدتْ بهِ في درجاتِ المعالي . ومنْ سجايا الإسلامِ التَّحلِّي بكِبر الهمَّةِ ، وجلالةِ المقصودِ ، وسموِّ الهدفِ ، وعظمةِ الغايةِ . فالهمَّة هي مركزُ السالبِ والموجبِ في شخصِك ، الرقيبُ على جوارحِك ، وهي الوقودُ الحسِّيُّ والطاقةُ الملتهبةُ ، التي تمدُّ صاحبها بالوثوبِ إلى المعالي والمسابقةِ إلى المحامِدِ . وكِبَرُ الهمَّةِ يجلبُ لك . بإذن اللهِ خيْراً غير مجذوذٍ ، لترقى إلى درجاتِ الكمالِ ، فيُجْرِي في عروقِك دم الشهامةِ ، والركْضِ في ميدانِ العلمِ والعملِ . فلا يراك الناسُ واقفاً إلا على أبواب الفضائلِ ، ولا باسطاً يديْك إلا لمهمَّاتِ الأمورِ ، تُنافسُ الرُّوَّاد في الفضائلِ ، وتُزاحمُ السَّادة في المزايا ، لا ترضى بالدُّون ، ولا تقفُ في الأخيرِ ، ولا تقبلُ بالأقلِّ . وبالتحلِّي بالهِمَّةِ ، يُسلبُ منك سفساف الآمال والأعمالِ ، ويُجتثُّ منك شجرةُ الذُّلِّ والهوانِ ، والتملُّق ، والمداهنةِ ، فكبيرُ الهِمَّةُ ثابتُ الجأشِ ، لا تُرهبُه المواقفُ ، وفاقدُها جبانٌ رِعديدٌ ، تُغلقُ فمه الفهاهةُ . ولا تغلطْ فتخْلِط بين كِبرِ الهمة والكِبْر ، فإن بينهما من الرْق كما بين السماء ذاتِ الرَّجعِ والأرضِ ذاتِ الصَّدْعِ ، فكِبرُ الهمَّةِ تاجٌ على مفْرِق القلبِ الحُرِّ المثالي ، يسعى به دائماً وأبداً إلى الطُّهرِ والقداسةِ والزِّيادة والفضلِ ، فكبيرُ الهمّةِ يتلمَّظُ على ما فاته من محاسن ، ويتحسَّرُ على ما فقده من مآثِر ، فهو في حنينٍ مستمرٍّ ، ونهمٍ دؤوبٍ للوصولِ إلى الغايةِ والنهايةِ . كِبَرُ الهمَّةِ حِلْيةُ ورثةِ الأنبياءِ ، والكِبْرُ داءُ المرضى بعلَّة الجبابرةِ البؤساءِ . فكِبرُ الهمَّةِ تصعَدُ بصاحبِها أبداً إلى الرُّقيِّ ، والكِبْرُ يهبطُ به دائماً إلى الحضيضِ . فيا طالب العلم ، ارسمْ لنفسك كِبر الهمّةِ ، ولا تنفلتْ منها وقد أومأ الشرعُ إليها في فقهيَّاتٍ تُلابس حياتك ، لتكون دائماً على يقظةٍ من اغتنامِها ، ومنها : إباحةُ التَّيمُّمِ للمكلَّفٍ عند فقْدِ الماءِ ، وعدمُ إلزامهِ بقبُولِ هِبةٍ ثمن الماءِ للوضوءِ ، لما في ذلك من المنَّةِ التي تنالُ من الهمَّة منالاً ، وعلى هذا فقيِسْ . فالله الله في الاهتمامِ بالهمَّةِ ، وسلِّ سيفِها في غمراتِ الحياةِ : هو الجِدّث حتى تفضُل العينُ أختها وحتَّى يكون اليومُ لليومِ سيِّدا
***************************************
قراءة العقول
ممَّا يشرح الخاطر ويسُرُّ النَّفْس ، القراءةُ والتأمُّلُ في عقولِ الأذكياءِ وأهلِ الفِطنةِ ، فإنَّها متعةٌ يسلو بها المُطالعِ لتلك الإشراقاتِ البديعةِ من أولئك الفطناءِ . وسيِّدُ العارفين وخيرةُ العالمين ، رسولُنا ، ولا يُقاسُ عليهِ بقيّةُ الناسِ ، لأنهُ مؤيَّدٌ بالوحْي ، مصدَّقٌ بالمعجزاتِ ، مبعوثٌ بالآياتِ البيِّناتِ ، وهذا فوق ذكاءِ الأذكياء ولمُوع الأدباءِ . *********************************** ﴿ وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ ﴾
قال أبقراطُ : « الإقلالُ من الضَّارّ ، خيرٌ من الإكثارِ من النافعِ » . وقال : « استديموا الصِّحَّة بترْكِ التَّكاسُلِ عن التعبِ ، وبتركِ الامتلاءِ من الطعامِ والشرابِ » . وقال بعضُ الحكماءِ : « من أراد الصحة : فليُجوِّد الغداء ، وليأكُلْ على نفاءٍ ، وليشربْ على ظماءٍ ، وليُقلِّلْ من شُربِ الماءِ ، ويتمدَّدْ بعد الغداءِ ، ويتمشَّ بعد العشاءِ ، ولا ينمْ حتى يعرض نفسهُ على الخلاءِ ، وليحْذرْ دخول الحمَّامِ عقيِب الامتلاء ، ومرَّةٌ في الصيفِ خيرٌ من عشرٍ في الشتاءِ » . وقال الحارثُ : « من سرَّه البقاءُ – ولا بقاء – فليُباكِرِ الغداءَ ، وليُعجِّلِ العشاء ، ولُخفِّفِ الرِّداء ، وليُقلَّ غِشيان النساءِ » . وقال أفلاطون : « خمسٌ يُذبْن البَدنَ ، وربما قَتَلْنَ : قِصَرُ ذاتِ اليدِ ، وفراقُ الأحبَّةِ ، وتجرُّعُ المغايظِ ، وردُّ النُّصح ، وضحِكُ ذوي الجهلِ بالعقلاءِ » . ومن جوامعِ كلماتِ أبقراط قولهُ : « كلُّ كثيرٍ ، فهو مُعادٍ للطبيعةِ » . وقيل لجالينوس : ما لك لا تمرضُ ؟ فقال : « لأني لم أجمعْ بين طعاميْنِ رديئينِ ، ولم أُدخِل طعاماً على طعامٍ ، ولم أحبِسْ في المعدةِ طعاماً تأذَّيتُ منه » . وأربعةُ أشياء تُمرضُ الجسْم : الكلامُ الكثيرُ ، والنومُ الكثيرُ ، والأكلُ الكثيرُ ، والجماعُ الكثيرُ . فالكلامُ الكثيرُ : يقلِّل مُخَّ الدِّماغِ ويُضعفُه ، ويعجِّلُ الشَّيْب . والنومُ الكثيرُ : يصفِّرُ الوجه ، ويُعمي القلب ، ويُهيِّجُ العين ، ويُكسلُ عن العملِ ، ويولِّدُ الغليظة ، والأدواء العسِرة . والجماعُ الكثيرُ : يَهُدُّ الَبَدنَ ، ويُضعفُ القُوى ، ويُجفِّفُ رُطُوبات البدنِ ، ويُرخي العصبَ ، ويُورثُ السُّدَدَ ، ويعُمُّ ضررُهُ جميع البدنِ ، ونخفضُّ الدِّماغ لكثْرةِ ما يتحلَّلُ منهُ من الرُّوحِ النَّفساني . ولإضعافُهُ أكثر من إضعافِ جميعِ المستفرغاتِ ، ويستفرِغ من جوهرِ الرُّوحِ شيئاً كثيراً . أربعةٌ تهدم البدن : الهمُّ ، والحزنُ ، والجوعُ ، والسَّهرُ . وأربعة تُفرحُ : النَّظرُ إلى الخُضرةِ ، وإلى الماءِ الجاري ، والمحبوبِ ، والثمارِ . وأربعة تُظلِم البصر : المشْيُ حافياً ، والتَّصبُّحُ والإمساءُ بوجهِ البغيضِ والثقيلِ والعدوُ ، وكثْرةُ البُكاءِ ، وكثرةًُ النَّظرِ في الخطِّ الدِّقيقِ . وأربعةٌ تقوِّي الجسم : لُبْسُ الناعمِ ، ودخولِ الحمَّامِ المعتدلِ ، وأكلُ الطعامِ الحلوِ والدَّسمِ ، وشمُّ الروائحِ الطيَّبةِ . وأربعةٌ تُيبِّس الوجه، وتُذهبُ ماءه وبهجتهُ وطلاقَتَهُ : الكذِبُ ، والوقاحةُ ، وكثْرةُ السؤالِ عن غيرِ علمٍ ، وكثْرةُ الفجورِ . وأربعةٌ تزيدُ في ماءِ الوجه وبهجتِه : المروءةُ ، والوفُاء ، والكرمُ ، والتقوى . وأربعةٌ تجلبُ البغضاء والمقْتَ : الكِبْرُ ، والحسدُ ، والكَذِبُ ، والنَّميمةُ . وأربعةٌ تجلبُ الرزق : قيامُ الليلِ ، وكثْرةُ الاستغفارِ بالأسحارِ ، وتعاهُدُ الصدقةِ ، والذِّكْر أول النهارِ وآخِره . وأربعةٌ تمنعُ الرزق : نومُ الصُّبحة ، وقلِّةُ الصلاةِ ، والكسلُ ، والخيانةُ . وأربعةٌ تُضرُّ بالفهمِ والذهنِ : إدمانُ أكْلِ الحامضِ والفواكهِ ، والنومُ على القفا ، والهمُّ ، والغمُّ . وأربعةٌ تزيدُ في الفهم : فراغُ القلبِ ، وقلَّةُ التَّملِّي من الطعام والشرابِ ، وحُسْنِ تدبيرِ الغذاءِ بالأشياءِ الحُلوةِ والدَّسِمةِ ، وإخراجُ الفضلاتِ المثقِّلةِ للبَدنِ . ************************************** | |
|
| |
نسيم السحر
عدد المساهمات : 242 تاريخ التسجيل : 20/06/2009 العمر : 43 الموقع : سورية ____ حلب
| موضوع: رد: لا تحزن للشيخ / عائض القرني الخميس يونيو 25, 2009 5:32 pm | |
| خُذُوا حِذْركمْ
فالحازم يتوقَّفُ حتى يرى ويبصر ، ويترقَّب ، ويتأمَّل ، ويُعيدَ النظر ، ويقرأ العواقب ، ويقدِّر الخطواتِ ، ويُبرم الرأي ، ويحتاط ويَحْذر ، لئلاَّ يندم ، فإن وقع الأمرُ على ما أراد ، حَمِدَ الله ، وشكر رأيه ، وإن كانتِ الأُخرى ، قال : قدرَّ اللهُ ، وما شاء فَعَلَ . ورضي ولم يحزنْ . ******************************************* فـتـبـيَّـنُوا
فالعاقلُ ثابتُ القدمِ ، سديدُ الرَّأْي ، إذا هجمتْ عليهِ الأخبارُ ، وأشكلتِ المسائلُ ، فلا يأخُذُ بالبوادِر ، ولا يتعجَّل الحُكم ، وإنما يُمحِّصُ ما يسمعُ ، ويقلِّبُ النظر ، ويُحادثُ الفكر ، ويُشاوِرُ العقلاء ، فإنَّ الرَّأْي الخمير ، خيرٌ من الرأي الفطيرِ . وقالوا : لأن تُخطئ في العفوِ ، خيرٌ منْ أنْ تخطئ في العقوبةِ ﴿ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ ﴾ . ***************************************** اعزمْ وأقْدِمْ
إنَّ كلَّ ما أكتبُه هنا منْ آياتٍ وأبياتٍ ، وأثرٍ وعِبر ، وقصصٍ وحِكم ، تدعوك بأنْ تبدأ حياةً جديدةً ، مِلْؤُها الرجاءُ في حُسْنِ العاقبةِ ، وجميلِ الختامِ ، وأفضلِ النتائجِ . ولا تستطيعُ أن تستفيد إلا بهمَّةٍ صادقةٍ ، وعزمٍ حثيثٍ ، ورغبةٍ أكيدةٍ في أن تتخلَّص منْ همومِك وغمومك وأحزانِك وكآبتِك . قيل لأحدِ العلماءِ : كيف يتوبُ العبدُ ؟ قال : لابُدَّ له منْ سوْطِ عَزْمٍ . ولذلك ميَّز اللهُ أُولي العزمِ بالهِممِ ﴿فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ﴾ . وآدمُ ليس من أُولي العَزْمِ ، لأنه ﴿فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً﴾، وكذلك أبناؤه ، فهي شِنْشِنَةٌ نعرفُها مِنْ أخْزمِ، ومنْ يُشابِه أباه فما ظلَمَ ، لكن لا تقْتدِ به في الذنبِ ، وتُخالِفْه في التوبةِ. واللهُ المستعانُ . *********************************** ليستْ حياتُنا الدنيا فحسْب
سعادةُ الآخرةِ مرهونةٌ بسعادةِ الدنيا ، وحقٌّ على العاقِل أن يعلم أنَّ هذه الحياة متَّصلة بتلك ، وأنها حياة واحدةُ ، الغيب والشهادةُ ، والدنيا والآخرة ، واليومُ وغدٌ . وظنَّ بعضُهم أنَّ حياته هنا فحسْب ، فجمع فأوعى ، وتشبَّث بالبقاءِ ، وتعلَّق بحياةِ الفناء ، ثم مات ومآرُبه وطموحاتُه ومشاغلُه في صدرِه . نروحُ ونغدو لحاجاتِنا وحاجةُ منْ عاش لا تنقضي
تموت مع المرِ حاجاتهُ
وتبْقى له حاجةٌ ما بقِي
أشاب الصغير وأفني الكبيـ
ـرُّ الغداةِ ومرُّ العشِي
إذا ليلةٌ أهرمت يومها
أتى بعد ذلك يومٌ فتِي
وعجبتُ لنفسي والناسِ من حولي : آمالٌ بعيدةٌ ، وأحلامٌ مديدةٌ وطموحاتٌ عارمةٌ ، ونوايا في البقاءِ ، وتطلَّعاتٌ مُذهلةٌ ، ثم يذهبُ الواحدُ منّا ولا يُشاورُ أو يُخبرُ أو يُخبَّرُ ﴿ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ ﴾ . وأنا أعرضُ عليك ثلاث حقائق : الأولى : متى تظنُّ أنك سوف تهدأُ وترتاحُ وتطمئنُّ ، إذا لم ترض عن ربَّك وعنْ أحكامِه وأفعالِه وقضائِه وقدرِه ، ولم ترض عنْ رزقِك ، ومواهبِك وما عندك! الثانية : هلْ شكرت على ما عندك من النِّعم والأيادي والخبرات حتى تطلب غيرها ، وتسأل سواها ؟! إنَّ منْ عَجَزَ عن القليلِ ، أوْلى أن يعجز عن الكثير . الثالثة : لماذا لا نستفيدُ من مواهبِ اللهِ التي وهبنا وأعطانا، فنثمِّرُها، وننمِّيها، ونوظِّفُها توظيفاً حسناً ، وننقيها من المثالبِ والشَّوائبِ ، وننطلقُ بها في هذه الحياةِ نفعاً وعطاءً وتأثيراً . إن الصِّفاتِ الحميدة والمواهب الجليلة ، كامنةٌ في عقولِنا وأجسامِنا ، ولكنَّها عند الكثير منّا كالمعادنِ الثمينةِ في التُّرابِ ، مدفونةٌ مغمورةٌ مطمورةٌ ، لم تجِد حاذقاً يُخرِجُها من الطينِ ، فيغسلُها وينقِّيها ، لتلمع وتشعَّ وتُعرف مكانتُها . *************************************** التَّوارِي من البطْش حلٌّ مؤقَّتٌ ريثما يبرُقُ الفرجُ
قرأتُ كتاب ( المتوارين ) لعبدِ الغني الأزديِّ ، وهو لطيفٌ جذَّاب ، يتحدَّث فيه عمَّن توارى خوفاً من الحجاجِ بن يوسف ، فعلمتُ أنَّ في الحياةِ فسحةً ، وفي الشَّرِّ خياراً ، وعنِ المكروهِ مندوحةً أحياناً . وذكرتُ بيتينِ للأبيورديِّ عن تواريهِ ، يقولُ : تستَّرْتُ مِن دهري بظِلِّ جناحِهِ فعيني ترى دهري وليس يراني
فلو تسألِ الأيام عنُي ما دَرَتْ
وأين مكاني ما عرفت مكاني
هذا القارئُ الأديبُ اللامعُ الفصيحُ الصَّادِقُ ، أبو عمرو بنُ العلاءِ ، يقولُ عن مُعاناتِه في حالة الاختبار : « أخافني الحجَّاجُ فهربتُ إلى اليمن ، فولجتُ في بيتٍ بصنعاء ، فكنتُ من الغدواتِ على سطحِ ذلك البيتِ ، إذْ سمعتُ رجلاً يُنشدُ: رُبَّما تجزعُ النُّفوسُ من الأمـ ـرِ لهُ فُرْجَةٌ كحلِّ العِقالِ
قال : فقلتُ : فُرْجةٌ . قال : فسُررتُ بها . قال : وقالَ آخرَ : مات الحجّاجُ . قال : فواللهِ ما أدري بأيِّهما كنتُ أُسَرُّ ، بقولهِ : فرْجةٌ . أو بقولِه : مات الحجّاجُ » . إنَّ القرار الوحيد النافذ ، عند من بيده ملكوتُ السماواتِ والأرضِ ﴿ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ ﴾ . توارى الحسنُ البصريُّ عنِ عين الحجَّاج ، فجاءه الخبرُ بموتِهِ ، فسجد شكراً اللهِ . سبحان اللهِ الذي مايز بين خلْقِه ، بعضُهم يموتُ ، فيُسجدُ غيْرُهُ للشُّكر فرحاً وسروراً ﴿ فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاء وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنظَرِينَ ﴾ . وآخرون يموتون ، فتتحوَّلُ البيوتُ إلى مآتِم ، وتقرحُ الأجفانُ ، وتُطعنُ بموتهم القلوبُ في سويدائِها . وتوارى إبراهيمُ النَّخعِيُّ من الحجَّاج ، فجاءه الخبرُ بموتِهِ ، فبكى إبراهيمُ فرحاً . طفح السرورُ عليَّ حتى إنني منْ عظمِ ما قد سرَّني أبكاني
إنَّ هناك ملاذاتٍ آمنة للخائفين في كَنَف أرحمِ الراحمين ، فهو يرى ويسمعُ ويُبصرُ الظالمين والمظلومين ، والغالبين والمغلوبين ﴿ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيراً ﴾ . ذكرتُ بهذا طائراً يسمَّى الحُمَّرة ، جاءت تُرفرفُ على رسولِ الله ، وهو جالسٌ مع أصحابِه تحت شجرةٍ ، كأنها بلسانِ الحالِ تشكو رجلاًَ أخذ أفراخها منْ عشِّها ، فقال : (( منْ فجع هذه بأفراخِها ؟ رُدُّوا عليها أفراخها )) . وفي مثل هذا يقولُ أحدُهم : جاءتْ إليك حمامةٌ مُشتاقةٌ تشكو إليك بقلبِ صبِّ واجفِ
منْ أخبر الورْقاء أنَّ مكانكم
حَرَمٌ وأنَّك ملجأٌ للخائِفِ
وقال سعيدُ بنُ جبيرٍ : واللهِ لقد فررتُ من الحجَّاج ، حتى استحييتُ من اللهِ عزَّ وجلَّ . ثم جيءَ به إلى الحجّاج ، فلمَّا سُلَّ السيفُ على رأسِه ، تبسَّم . قال الحجاجُ : لِم تبتسمُ ؟ قال : أعجبُ منْ جُرأتك على اللهِ ، ومن حِلْمِ الله عليك . يا لها من نفْسٍ كبيرةٍ ، ومن ثقةٍ في وعدِ اللهِ ، وسكونٍ إلى حُسْنِ المصيرِ ، وطِيبِ المُنقلَب . وهكذا فليكُنِ الإيمانُ . ************************************** أنت تتعاملُ مع أرحمِ الراحمين إن لفت نَظَرَك هذا الحديثُ ، فقد لفت نظري أيضاً ، وهو ما رواه أحمد وأبو يعلى والبزارُ والطبرانيُّ ، أنَّ شيخاً كبيراً أتى النبي وهو مُدَّعِمٌ على عصا ، فقال : يا نبيَّ اللهِ ، إنَّ لي غدراتٍ وفجراتِ ، فهل يُغفرُ لي ؟ فقال النبي : (( تشهدُ أنْ لا إله إلا اللهُ وأنَّ محمداً رسول الله ؟)) قال : نعمْ يا رسول اللهِ . قال : (( فإن الله قد غفر لك غدراتِك وفجراتِك)) . فانطلق وهو يقول : اللهُ أكبرُ ، اللهُ أكبرُ . أفهمُ من الحديث مسائل : منها سعةُ رحمةِ أرحمِ الراحمين ، وأنَّ الإسلام يهدمُ ما قبله ، وأن التوبة تجبُّ ما قبلها ، وأن جبال الذنوب في غفرانِ علاّم الغيوب لاشيءٌ ، وأنه يجبُ عليك حُسْنُ الظَّنِّ بمولاك ، والرجاءُ في كرمِه العميمِ ، ورحمتِه الواسعةِ . ******************************* براهينُ تدعوك للتفاؤلِ
في كتابِ « حُسْنِ الظَّنّ باللهِ » لابن أبي الدنيا ، واحدٌ وخمسون ومائة نصٍّ ، ما بين آيةٍ وحديث ، كلُّها تدعوك إلى التفاؤلِ ، وترْكِ اليأسِ والقنوطِ ، والمُثابرَة على حُسْنِ الظَّنِّ وحُسْنِ العَمَلِ ، حتى إنك لتجدُ نصوصَ الوعدِ أعْظَمَ منْ نصوصِ الوعيدِ ، وأدلَّةَ التهديدِ ، وقد جعل اللهُ لكلِّ شيءٍ قدراً . *************************************** | |
|
| |
نسيم السحر
عدد المساهمات : 242 تاريخ التسجيل : 20/06/2009 العمر : 43 الموقع : سورية ____ حلب
| موضوع: رد: لا تحزن للشيخ / عائض القرني الخميس يونيو 25, 2009 5:33 pm | |
| حياةٌ كلُّها تعبٌ
لا تحزنْ منْ كدرِ الحياةِ ، فإنها هكذا خُلقتْ . إنَّ الأصل في هذه الحياة المتاعبُ والضَّنى ، والسرورُ فيها أمرٌ طارئٌ ، والفرحُ فيها شيءٌ نادرٌ . تحلو لهذه الدارِ واللهُ لم يرْضها لأوليائِه مستقرَّا ؟! ولولا أنَّ الدنيا دارُ ابتلاءٍ ، لم تكُنْ فيها الأمراضُ والأكدارُ ، ولم يضِقِ العيشُ فيها على الأنبياء والأخبار ، فآدمُ يُعاني المِحن إلى أن خرج من الدنيا ، ونوحٌ كذَّبهُ قومُه واستهزؤُوا به ، ولإبراهيمُ يُكابِدُ النار وذَبْحَ الولد ، ويعقوبُ بكى حتى ذهب بصرُه ، وموسى يُقاسي ظُلم فرعون ، ويلقى من قومه المِحنَ ، وعيسى بنُ مريم عاش معدماً فقيراً ، ومحمدٌ يُصابِرُ الفقْر ، وقتلِ عمِّهِ حمزة ، وهو منْ أحبِّ أقاربِه إليه ، ونفورِ قومِهِ منهُ . وغير هؤلاء من الأنبياءِ والأولياءِ مما يطُول ذِكْرُهُ . ولو خُلقتِ الدنيا لِلَّذَّةِ ، لم يكنْ للمؤمنِ حظٌّ منها . وقال النبي : (( الدنيا سجنُ المؤمنِ ، وجنَّةُ الكافرِ )) . وفي الدنيا سُجِن الصّالحون، وابتُلي العلماءُ العاملون ، ونغِّص على كبارِ الأولياءِ . وكدّرتْ مشارِبُ الصادِقِين. *******************************
وقفـــــة
عن زيدِ بنِ ثابتٍ – رضي اللهُ عنه – قال : سمعتُ رسول اللهِ يقولُ : ((منْ كانتِ الدنيا همَّةُ ، فرَّق اللهُ عليهِ أمرهُ ، وجعل فقرهُ بين عينيْه ، ولم يأتِهِ منَ الدنيا إلا ما كُتب له. ومنْ كانتِ الآخرةُ نِيَّتهُ، جمع اللهُ له أمرهُ ، وجعل غناهُ في قلبِهِ ، وأتتْه الدنيا وهي راغمةٌ)). وعنْ عبدِالله بن مسعودٍ – رضي اللهُ عنه – قال : سمعتُ نبيَّكم يقولُ : (( منْ جعل الهموم هماً واحداً ، وهمَّ آخرته ، كَفَاهُ اللهُ همَّ دنياه ، ومنْ تشعبَّتْ به الهُمُومُ في أحوالِ الدُّنيا ، لم يُبالِ اللهُ في أيِّ أَوْدِيتِها هَلَكَ )) . قال الكاتبُ المعروفُ بـ « الببْغاء » : تنكَّبْ مذْهبَ الهمجِ وعُذْ بالصبرِ تبْتَهِجِ
فإنَّ مُظلمَ الأيَّا
م محجوجٌ بلا حُججِ
تُسامحُنا بلا شُكرٍ
وتمْنَعُنا بلا حرجِ
ولُطفُ الله في إتيا
نهِ فتْحٌ مِن اللّججِ
فمِنْ ضِيقٍ إلى سعةٍ
ومِنْ غمٍّ إلى فرجِ
***************************************** الوَسَطِيَّةُ نجاةٌ من الهلاك
تمامُ السعادة مبنيٌّ على ثلاثةِ أشياء : 1. اعتدالِ الغضبِ . 2. اعتدالِ الشهوةِ . 3. اعتدالِ العِلْمِ . فيحتاجُ أن يكون أمرُها متوسِّطاً ، لئلاَّ تزيد قوةُ الشهوةِ ، فتُخرِجه إلى الرُّخصِ فيهلِك ، أو تزيدُ قوةُ الغضبِ ، فيخرُج إلى الجموحِ فيهلك . (( وخيرُ الأمورِ أوسطُها )) . فإذا توسَّطتِ القُوَّتانِ بإشارة قوَّةِ العِلْمِ ، دلَّ على طريقِ الهدايةِ . وكذلك الغضبُ : إذا زاد ، سهُل عليهِ الضرْبُ والقتلُ ، وإذا نقص ، ذهبتِ الغيرةُ والحميَّةُ في الدينِ والدنيا ، وإذا توسَّط ، كان الصبرُ والشجاعةُ والحِكْمةُ . وكذلك الشهوةُ : إذا زادتْ ، كان الفِسْقُ والفجورُ ، وإنْ نقصتْ ، كان العَجْزُ والفتورُ ، وإن توسَّطتْ ، كانتِ العفةُ والقناعةُ وأمثالُ ذلك . وفي الحديثِ (( عليكم هدْياً قاصِداً )) ﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً﴾ ************************************* المرءُ بصِفاتِهِ الغالِبة
منْ سعادتِك أنْ تغْلِب صفاتُ الخيرِ فيك صفاتِ الذَّمِّ ، فيُساقُ إليك الثناءُ حتى على شيءٍ ليس فيك ، ولم يقْبَلِ الناسُ فيك ذمّا ولو كان صحيحاً ، لأنَّ الماء إذا بلغ قُلَّتين لم يحملِ الخبث . إنَّ الجبل لا يزيدُ فيه حجرٌ ولا ينقصهُ حَجَرٌ . طالعتُ هجوماً مقذعاً في قيسِ بن عاصم حليمِ العربِ ، وفي البرامكةِ الكرماء ، وفي قُتيْبة بن مسلمٍ القائدِ الشهيرِ ، ووجدت أنَّ هذا الشتْم والهجْو ، لم يُحفظْ ولم يُنقلْ ولم يُصدِّقْه أحدٌ ، لأنه سقط في بحرِ المحاسنِ فغرق ، ووجدتُ على الضِّدِّ منْ ذلك مدْحاً وثناءً في الحجَّاج ، وفي أبي مسلمٍ الخراساني ، وفي الحاكم بأمر الله العُبيْدِي ، ولكنَّه لم يُحفظْ ولم يُنقلْ ولم يُصدِّقه أحدٌ ، لأنه ضاع في ركامِ زيفِهم وظلمِهم وتهوًّرِهم ، فسبحان العادلِ بين خلْقِهِ . ***************************************** هكذا خُلِقت
في الحديث : (( كلٌّ مُيَسَّرٌ لما خُلِق له )) . فلماذا تُعْسفُ المواهبُ ويُلْوى عنقُ الصِّفاتِ والقدراتِ لَيَّا ؟! إن الله إذا أراد شيئاً هيَّأ أسبابه ، وما هناك أتْعَسُ نفْساً وأنْكدُ خاطراً من الذي يريدُ أنْ يكون غَيْرَ نَفْسِه ، والذكيُّ الأريبُ هو الذي يدرسُ نفسهُ ، ويسدُّ الفراغ الذي وُضع له ، إن كان في السَّاقةِ كان في السَّاقةِ ، وإنْ كان في الحراسةِ كان في الحراسةِ ، هذا سيبويه شيخُ النَّحْوِ ، تعلَّم الحديث فأعياهُ ، وتبلَّد حسُّهُ فيع ، فتعلَّم النحو ، فَمَهَرَ فيه وأتى بالعَجَب العُجاب . يقولُ أحدُ الحكماءِ : الذي يريدُ عملاً ليس منْ شأنِهِ ، كالذي يزرعُ النَّخْل في غوطةِ دمشق ، ويزرعُ الأتْرُجَّ في الحجازِ . حسانُ بنُ ثابتٍ لا يُجيدُ الأذان ، لأنهُ ليس بلالاً ، وخالدُ بنُ الوليد لا يقسمُ المواريث ، لأنه ليس زيد بن ثابتٍ ، وعلماءُ التربيةِ يقولون : حدِّدْ موقِعَكَ . ********************************* لابُدَّ للذَّكاء مِن زكاء
سمعتُ إذاعة لندن تُخبرُ عنْ محاولةِ اغتيالِ الكاتب نجيبِ محفوظٍ ، الحائزِ على جائزةِ نوبل في الأدبِ ، وعدتُ بذاكراتي إلى كتبٍ له كنتُ قرأتُها مْن قبْلُ ، وعجبتُ لهذا الذَّكيِّ ، كيف فاتهُ أنَّ الحقيقة أعظمُ من الخيالِ ، وأنَّ الخلود أجلُّ من الفناءِ ، وأن المبدأ الرَّبّانيَّ السَّماويَّ أسْمى من المبدأِ البشريِّ ﴿ أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لاَّ يَهِدِّيَ إِلاَّ أَن يُهْدَى ﴾ . بمعنى أنهُ كتب مسرحياتٍ منْ نسْج خيالِهِ ، مُستخدمِاً قدراتِه القويَّة في التصويرِ والعرضِ والإثارةِ ، والنهايةُ أنها أخبارٌ لا صحَّة لها . لقد استفدتُ من قراءةِ حياتِه مسألةً كبرى ، وهي أنَّ السعادة ليستْ سعاد الآخرين على حسابِ سعادتِك وراحتِك ، فليس بصحيحٍ أن يُسرَّ بك الناسُ وأنت في همٍّ وغمٍّ وحزنٍ ، إنَّ بعض الكُتاَّابِ يمدحُ بعض المُبدعِين ، ويصفُه بأنه يحترقُ ليُضيء للناس ، والمنهجُ السَّويُّ الثابتُ هو الذي يجعلُ المبدع يُضيءُ في نفْسِه ويضيءُ للناسِ ، ويعمرُ نفسه بالخيرِ والهدى والرُّشدِ ، ليعمر قلوب الناسِ بذلك . وبعد هذا ، فماذا ينفعُ الإنسان لو حاز على مُلكِ كسرى وقلبُه بالباطلِ مكسورٌ ، وحصل على سلطانِ قيصر وأملُه عن الخيْرِ مقصورُ ؟! إنَّ الموهبةَ إذا لم تكنْ سبباً في النجاةِ ، فما نفعُها وما ثمرتُها ؟! *****************************************
كُنْ جميلاً تَرَ الوجود جميلاً
إنَّ منْ تمامِ سعادتِنا أنْ نتمتَّع بمباهج الحياةِ في حدودِ منطقِ الشرعِ المقدّسِ ، فاللهُ أنبت حدائق ذات بهجةٍ ، لأنهُ جميلُ يحبُ الجمالَ ، ولتقرأُآياِ الوحدانية في هذا الصُّنع البهيج ﴿ هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً ﴾ . فالرائحةُ الزَّكيةُ والمطعمُ الشهيُّ والمنظرُ البهيُّ ، تزيدُ الصَّدْرَ انشراحاً والرُّوح فرحاً ﴿كُلُواْ مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلاَلاً طَيِّباً ﴾ . وفي الحديث : (( حُبِّب إليَّ من دنياكمْ : الطَّيبُ ، والنساءُ ، وجُعِلتْ قُرَّةُ عيني في الصلاةِ )) . إنَّ الزهدَ القاتِم والورع المُظلِم ، الذي دلف علينا منْ مناهج أرضيَّةٍ ، قدْ شوَّه مباهج الحياةِ عند كثيرٍ مِنَّا ، فعاشُوا حياتهم همَّا وغمَّا وجوعاً وسهراً وتبتُّلاً ، بقولُ رسولُنا : (( لكنَّي أصومُ وأُفطرُ ، وأقومُ وأفترُ ، وأتزوَّجُ النساء ، وآكُلُ اللحم ، فمن رغب عن سُنَّتي فليس مني )) . وإنْ تعجبْ ، فعجبٌ ما فعلهُ بعضُ الطوائفِ بأنفسهمْ ! فهذا لا يأكلُ الرّطب ، وذاك لا يضحكُ ، وآخرُ لا يشربُ الماء البارد ، وكأنهم ما علمُوا أنَّ هذا تعذيبٌ للنفسِ وطمْسٌ لإشراقها ﴿ قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ ﴾ . إنَّ رسولنا أكل العسل وهو أزْهدُ الناسِ في الدنيا ، واللهُ خلق العسل ليُؤكل : ﴿يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاء لِلنَّاسِ ﴾ . وتزوَّج الثَّيِّباتِ والأبكار : ﴿فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ ﴾ . ولبِس أجمل الثيابِ في مناسباتِ الأعيادِ وغيرِها : ﴿ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ ﴾ . فهو يجمعُ بين حقِّ الرُّوحِ وحقِّ الجسدِ ، وسعادةِ الدنيا والآخرةِ ، لأنه بُعث بدينِ الفطرةِ التي فطرَ اللهُ الناس عليها . ************************************** | |
|
| |
نسيم السحر
عدد المساهمات : 242 تاريخ التسجيل : 20/06/2009 العمر : 43 الموقع : سورية ____ حلب
| موضوع: رد: لا تحزن للشيخ / عائض القرني الخميس يونيو 25, 2009 5:35 pm | |
| أبشِرْ بالفَرَج القريبِ
يقولُ بعضُ مؤلِّفي عصرنا : إنَّ الشدائد – مهما تعاظمتْ وامتدَّتْ . لا تدومُ على أصحابِها ، ولا تخلَّدُ على مصابِها ، بل إنها أقوى ما تكونُ اشتداداً وامتداداً واسوداداً ، أقربُ ما تكونُ انقشاعاً وانفراجاً وانبلاجاً ، عن يُسْرٍ وملاءةٍ، وفرجٍ وهناءةٍ ، وحياةٍ رخيَّةٍ مشرقةٍ وضَّاءةٍ ، فيأتي العونُ من اللهِ والإحسانُ عند ذروةِ الشِّدَّةِ والامتحانِ ، وهكذا نهايةُ كلِّ ليلٍ غاسِق ، فجرٌ صادِقٌ . فما هي إلا ساعةٌ ثُمَّ تنْقضي ويَحْمَدُ غِبَّ السَّيْرِ منْ هو سائرُ
*********************************** أنتَ أرْفَعُ مِنَ الأحقاد
أسعدُ الناس حالاً وأشرحُهم صدْراً ، هو الذي يريدُ الآخرة ، فلا يحسُدُ الناس على ما آتاهم اللهُ منْ فضْلِهِ ، وإنما عنده رسالةٌ من الخيرِ ومُثُلٌ ساميةٌ من البِرِّ والإحسانِ ، يريدُ إيصال نفْعِه إلى الناسِ ، فإنْ لم يستطعْ ، كفَّ عنهم أذاه . وانظرْ إلى ابنِ عباسٍ بحْرِ العلمِ وترْجُمانِ القرآنِ ، كيف استطاع بخُلُقه الجمِّ وسخاوةِ نفسِه مساراتِه الشرعّةِ ، أنْ يحوِّل أعداءهُ منْ بني أُميَّةَ وبني مروان ومنْ شايعهم إلى أصدقاء ، فانتفع الناسُ بعلْمِه وفهْمه ، فملأ المجامع فِقهاً وذكراً وتفسيراً وخيْراً . لقد نسي ابنُ عباسٍ أيام الجمَلِ وصِفِّين ، وما قبلها وما بعدها ، وانطلق يبني ويُصلحُ ، ويرتُقُ الفتْقَ ، ويسمحُ الجراح ، فأحبَّهُ الجميعُ ، وأصبح – بحقٍّ حبْرَ الأمةِ المحمديةِ . وهذا ابنُ الزبيرِ – رضي اللهُ عنه - ، وهو منْ هو في كرمِ أصلِهِ وشهامِته وعبادتِه وسموِّ قدرِه ، فضَّل المُوجَهةَ مجتهداً في ذلك ، فكان من النتائجِ أن شُغِلَ عن الرِّوايةِ ، وخسِر جمْعاً كثيراً من المسلمين ، ثمَّ حصلتِ الواقعةُ فضُرِبتِ الكعبةُ لأجل مُجاوَرَتِه في الحرمِ ، وذُبِح كثيرُ من الناسِ ، وقُتِل هو ثمَّ صُلِب ﴿ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَراً مَّقْدُوراً ﴾ . وليس هذا تنقُّصاً للقومِ ، ولا تطاوُلاً على مكانتِهم ، وإنما هي دراسةٌ تاريخيَّة تجمعُ العِبَرَ والعِظاتِ . إنَّ الرِّفق واللِّين والصَّفح والعفْو ، صفاتٌ لا يجمعُها إلاَّ القِلَّةُ القليلةُ من البشرِ ، لأنها تُكلِّفُ الإنسان هضْم نفْسِه ، وكبْح طموحِه ، وإلجام اندفاعِه وتطلّعِه . *********************************** وقفــــة
« قولهُ : (( تعرَّفْ إلى اللهِ في الرخاءِ ، يعرفك في الشِّدَّة )) يعنى أنَّ العبد إذا اتَّقى الله وحفظ حدودهُ ، وراعى حقوقهُ في حالِ رخائِه ، فقد تعرَّف بذلك إلى اللهِ ، وصار بينه وبين ربِّه معرفةٌ خاصَّةٌ ، فمعرفهُ ربُّه في الشِّدَّةِ ورعى له تعرُّفهُ إليه في الرخاءِ ، فنجَّاهُ من الشدائدِ بهذِه المعرفة ، وهذه معرِفة خاصَّةٌ ، تقتضي قُرب العبدِ من ربِّهْ ومحبَّته له وإجابتهُ لدعائِه » . « الصبرُ إذا قام به العبد كما ينبغي ، انقلبتْ المِحنةُ في حقِّه مِنْحةً ، واستحالتِ البليَّة عطيَّة ، وصار المكروهُ محبوباً ، فإنَّ الله سبحانه وتعالى لم يبْتلِهِ عطيَّة ، وصار المكروهُ محبوباً ، فإنَّ الله تعالى على العبدِ عبوديَّةً في الضَّراءِ ، كما له عبوديَّةٌ في السَّرَّاءِ ، وله عبوديَّةٌ عليه فيما يحبُّونه ، والشأنُ في إعطاءِ العبوديَّةِ في المكارِهِ ، ففيه تفاوتُ مراتبِ العبادِ ، وبحسبِه كانتْ منازلُهم عند اللهِ تعالى » . ****************************************** العِلْمُ مِفتاحُ اليُسْرِ
العِلْمُ واليُسْرُ قرينان وأخوانِ شقيقانِ، ولك أنْ تنظر في بحورِ الشريعةِ من العلماءِ الراسخين ، ما أيْسرَ حياتهُم ، وما أسْهل التَّعامُل معهم! إنهم فهموا المقصد ، ووقعُوا على المطلوب ، وغاصُوا في الأعماقِ ، بينما تجدُ مِنْ أعْسرِ الناسِ ، وأصعبِهم مراساً ، وأشقِّهم طريقةً الزُّهَّادُ الذين قلَّ نصيبُهم من العِلْمِ ، لأنهم سمعُوا جُملاً ما فهموها ، ومسائل ما عَرَفُوها ، وما كانتْ مصيبةُ الخوارج إلاَّ منْ قلَّةِ علْمِهِمْ وضحالةِ فهْمِهم ؛ لأنهمْ لم يقعُوا على الحقائقِ، ولم يهتدُوا إلى المقاصدِ ، فحافظُوا على النُّتفِ، وضيَّعُوا المطالب العالية، ووقعُوا في أمرٍ مريجٍ . ************************************* ما هكذا تُوردُ الإِبِل
طالعتُ كتابينِ شهيرينِ ، لا أرى إلاَّ أنَّ فيهما سطوةً عارمةً على السعادةِ واليُسْرِ اللذيْنِ أتى بهما الشارعُ الحكيمُ . فكتابُ « إحياء عِلوم الدينِ » للغزاليِّ ، دعوةٌ صارخةٌ للتجويعِ والعُرْيش ( والبهذلة) ، والآصالِ والأغلالِ التيِ أتى رسولُنا لوضْعِها عنِ العالمين . فهو يجمعُ من الأحاديثِ ، المتردِّية والنطِيحة وما أكل السَّبُعُ ، وغالبُها ضعيفةٌ أو موضوعةٌ ، ثم يبني عليها أُصُولاً يظنُّها منْ أعظمِ ما يُوصِّلُ العبدُ إلى ربِّه . وقارنتُ بين إحياءِ علومِ الدين وبينِ الصحيحين للبخاري ومسلم ، فبان البونُ وظهر الفرْقُ ، فذاك عَنَتٌ ومشقَّةٌ وتكلُّفٌ ، وهذه يُسْرُ وسماحةٌ وسهولةٌ ، فأدركتُ قول البري : ﴿وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى ﴾ . والكتابُ الثاني : « قُوتُ القلوبِ » لأبي طالب المكَّيَّ ، وهو طلبٌ مُلِحٌّ منه لترْكِ الحياة الدنيا والانزواء عنها ، وتعطيل السَّعْيِ والكسْبِ ، وهجْرِ الطَّيَّباتِ ، والتَّسابُقِ في طرقِ الضَنْكِ والضَّنى والشِّدَّة . والمؤلِّفان : أبو حامدٍ الغزاليُّ ، وأبو طالبٍ المكيُّ ، أرادا الخَبْرَ ، لكنْ كانت بضاعتُهما في السُّنّةِ والحديثِ مُزْجاةً ، فمنْ هنا وقع الخَلَلُ ، ولابُدَّ للدليل أن يكون ماهراً في الطريق خِرِّيتاً في معرفة المسالكِ ﴿ وَلَـكِن كُونُواْ رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ ﴾ . ***************************************** أشْرَحُ الناسِ صدراً
الصّفةُ البارزةُ في مُعَلِّمِ الخيرِ : انشراحُ الصدرِ والرِّضا والتَّفاؤلُ ، فهو مبشِّرٌ ، ينهى عن المشقَّةِ والتنفير، ولا يعرفُ اليأس والإحباط ، فالبسمةُ على مُحيَّاه ، والرِّضا في خلدِه ، واليُسْرُ في شريعتِه ، والوسطيَّةُ في سُنَّتِه ، والسعادةُ في مِلَّته . إنَّ جُلَّ مهمَّتِهِ أن يضع عنهم إصْرهم والأغلال التي كانتْ عليهم . ************************************* رويداً .. رويداً
إنّ من إضفاء السعادة على المُخاطبين بكلمة الوعي ، التَّدرُّجُ في المسائلِ ، الأهمُّ ، يصدِّقُ هذا وصيتُه لمعاذٍ – رضي اللهُ عنه – لمَّا أرْسَلَه إلى اليمنِ : (( فليكُنْ أوَّل ما تدعوهمْ إليه ، أنْ لا إله إلا الله وأني رسولُ اللهِ ..... )) الحديث . إذن في المسألة أولٌ وثانٍ وثالثٌ ، فلماذا نُقحمُ المسائل على المسائل إقحاماً ، ولماذا نطرحُها جملةً واحدةً ؟! ﴿ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً ﴾ . إنَّ من سعادةِ المسلمين بإسلامِهم أنْ يشعُروا بالارتياح منْ تعاليمِه وباليُسر في تلقِّي أوامره ونواهيه ؛ لأنه أتى أصلاً لإنقاذهم من الاضطرابِ النفسيِّ والتَّشرُّردِ الذِّهنيِّ والتَّفلُّتِ الاجتماعي . « التكليفُ لم يأتِ في الشرعِ إلا منفيّاً ﴿ لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا ﴾ ، لأنَّ التكليف مشقَّةٌ ، والدينُ لم يأتِ بالمشقَّةِ ، وإنما أتي لإزالتِها » . إنَّ الصحابيَّ كان يطلبُ من الرسولِ وصيتهُ ، فيُخبرُه بحديثٍ مختَصَرٍ الحاضرُ والبادي ، فإذا الواقعيةُ ومراعاةُ الحالِ واليُسْرُ هي السمةُ البارزةُ في تلك النصائحِ الغاليةِ . إننا نخطئُ يوم نسْرُدُ على المستمعين كلَّ ما في جعْبتِنا منْ وصايا ونصائح ، وتعاليم وسُننٍ وآداب، في مقامٍ واحدٍ ﴿وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلاً﴾ .
أوْرَدَها سعْدٌ وسعدٌ مُشْتمِلْ ما هكذا تُوردُ يا سعْدُ الإبِلْ
**********************************************
كيف تشكُرُ على الكثيرِ وقد قصَّرت في شُكْرِ القليلِ
إنَّ منْ لا يحمدُ الله على الماءِ الباردِ العذْبِ الزُّلالِ ، لا يحمدُه على القصورِ الفخمةِ ، والمراكبِ الفارِهةِ ، والبساتينِ الغنَّاءِ . وإنّ منْ لا يشكُرُ الله على الخبزِ الدافئِ ، لا يشكرهُ على الموائدِ الشَّهيَّةِ والوجباتِ اللَّذيذةِ ، لأنَّ الكنُود الجحُود يرى القليل والكثير سواءً ، وكثيرٌ منْ هؤلاء أعطى ربَّه المواثيق الصارمة ، على أنه متى أنعم عليه وحباهُ وأغدق عليه فسوف يشكُرُ ويُنفقُ ويتصدَّقُ ﴿ وَمِنْهُم مَّنْ عَاهَدَ اللّهَ لَئِنْ آتَانَا مِن فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ{75} فَلَمَّا آتَاهُم مِّن فَضْلِهِ بَخِلُواْ بِهِ وَتَوَلَّواْ وَّهُم مُّعْرِضُونَ ﴾ . ونحنُ نلاحظُ كلَّ يومٍ منْ هذا الصِّفِ بشراً كثيراً ، كاسف البالِ مكدَّر الخاطرِ ، خاوي الضميرِ ، ناقماً على ربِّه أنه ما أجْزل له العطيَّة ، ولا أتحفهُ برزقٍ واسعٍ بينما هو يرفُلُ في صحَّةٍ وعافيةٍ وكفافٍ ، ولم يشكُرْ وهو في فراغٍ وفسحةٍ ، فكيف لو شُغِل مثل هذا الجاحدُ بالكنوزِ والدُّورِ والقصورِ ؟! إذنْ كان أكْثرَ شُرُداً من ربِّه ، وعقوقاً لمولاهُ وسيِّدهِ . الحافي منّا يقول : سوف أشكرُ ربِّي إذا مَنحَني حذاءً . وصاحبُ الحذاءِ يؤجِّل الشُّكْر حتى يحصُل على سيَّارةٍ فارهةٍ نأخُذ النعيمِ نقْداً ، ونُعطي الشُّكْر نسيئةًُ ، رغباتُنا على اللهِ ملحَّةٌ ، وأوامرُ اللهِ عندنا بطيئةُ الامتثالِ . *********************************** ثلاثُ لوحاتٍ
بعضُ الأذكياء علَّق على مكتبِهِ ثلاث لوحاتٍ ثمينةٍ : مكتوبٌ على الأولى : يوْمُك يومُك . أي عِشْ في حدودِ اليوم . وعلى الثانيةِ : فكِّرْ واشكرْ . أي فكِّرْ في نِعَمِ اللهِ عليك ، واشكُرْه عليها . وعلى الثالثةِ : لا تغضبْ . إنها ثلاثُ وصايا تدلُّك على السعادةِ منْ أقْربِ الطرقِ ، ومن أيْسرِ السُّبُلِ ، ولك أن تكتبها في مُفكِّرتِك لتطالِعها كلَّ يومٍ . *********************************** | |
|
| |
نسيم السحر
عدد المساهمات : 242 تاريخ التسجيل : 20/06/2009 العمر : 43 الموقع : سورية ____ حلب
| موضوع: رد: لا تحزن للشيخ / عائض القرني الخميس يونيو 25, 2009 5:36 pm | |
| وقفــــة « منْ لطائفِ أسرارِ اقترانِ الفرج بالكرْب ، واليُسْرِ ، أنَّ الكرب إذا اشتدَّ وعظُم وتناهى ، وحصل للعبد اليأسُ من كشْفِه من جهةِ المخلوقين تعلَّق باللهِ وحده ، وهذا هو حقيقةُ التَّوكُّلِ على اللهِ . وأيضاً فإنَّ المؤمن إذا استبطأ الفرج ، وأيِس منه كثْرةِ دعائِه وتضرُّعِه ، ولم يظهر عليه أثرُ الإجابةِ ، فرجع إلى نفسِه باللاَّئمةِ ، وقال لها : إنما أُتيتُ منْ قِبلِكِ ، ولو كان فيك خيرٌ لأُجبْتُ . وهذا اللومُ أحبُّ إلى الله منْ كثيرٍ من الطاعاتِ ، فإنه يُوجبُ انكسار العبدِ لمولاهُ ، واعترافُه له بأنه أهلٌ لما نزل من البلاءِ ، وأنه ليس أهلاً لإجابةِ الدعاءِ ، فلذلك تُسرعُ إليه حينئذٍ إجابةُ الدعاءِ وتفريجُ الكرْبِ » . ويقولُ إبراهيمُ بنُ أدهم الزاهدُ . « نحن في عيشٍ لو علم به الملوكُ ، لجالدُونا عليه بالسيوفِ » . ويقولُ ابنُ تيمية شيخُ الإسلامِ : « إنها لَتَمُرُّ بقلبي ساعاتٌ أقولُ : إن كان أهلُ الجنةِ في مِثْلِ ما أنا فيه ، فهم في عيشٍ طيِّبٍ » . ************************************ اطمئِنُّوا أيُّها الناسُ
في كتاب « الفَرَجِ بعد الشِّدَّةِ » أكْثر منْ ثلاثين كتاباً ، كلُّها تُخبرُنا أنَّ في ذروة المُدلهِمات انفراجاً ، وفي قمَّةِ الأزماتِ انبِلاجاً ، وأنَّ أكثر ما تكون مكبوتاً حزيناً غارقاً في النكْبةِ ، أقْرَبُ ما تكونُ إلى الفتْحِ والسُّهُولةِ والخروجِ منْ هذا الضَّنْكِ ، وساق لنا التَّنوخيُّ في كتابِه الطويل الشائقِ ، أكثَرَ منْ مائتي قصَّةٍ لمن نُكبُوا ، أو حُبسُوا أو عُزلُوا ، أو شُرِّدُوا وطُردُوا ، أو عُذِّبُوا وجُلدُوا ، أو افتقرُوا وأملقوا ، فما هي إلا أيام ، فإذا طلائع الإمداد وكتائب الإسعاد وافتْهم على حين يأس ، وباشرتْهم على حين غفلةٍ ، ساقها لهم السميع المجيب . إنَّ التنوخيَّ يقولُ للمصابين والمنكوبين : اطمئنُّوا ، فلقد سبقكُم فوقٌ في هذا الطَّريقِ وتقدَّمكم أُناسٌ : صحِب الناسُ قبْلنا ذا الزَّمانا وعناهُم مِنْ شأنِهِ ما عنانا
رُبَّما تُحْسِنُ الصَّنِيع ليـ
ـالِيه ولكنْ تُكدِّرُ الإحْسانا
إذنْ فهذه سُنَّةٌ ماضية ﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ ﴾ ، ﴿ وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ﴾ . إنها قضيَّةٌ عادلةٌ أنْ يُمحِّص اللهُ عباده ، وأنُ يتعَّبدهم بالشّدَّةِ كما تعبَّدهُمْ بالرخاءِ ، وأنْ يُغايِر عليهم الأطوار كما غاير عليهم الليل والنهار ، فلِم إذن التَّسخُّطُ والاعتراضُ والتَّذمُّرُ ﴿ وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُواْ مِن دِيَارِكُم مَّا فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مِّنْهُمْ ﴾ . ******************************************* صنائعُ المعروفِ تقي مصارع السُّوءِ
منْ أجملِ الكلماتِ ، قولُ أبي بكرٍ الصِّديق – رضي الله عنه - : صنائع المعروف تقي مصارع السوءِ . وهذا كلامٌ يُصدِّقه النَّقلُ والعقلُ : ﴿ فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنْ الْمُسَبِّحِينَ{143} لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ﴾ . تقولُ خديجةُ للرسول : (( كلا واللهِ لا يُخزيك اللهُ أبداً لتصِلُ الرَّحِم ، وتحمِلُ الكلَّ ، وتكسِبُ المعدوم ، وتُعينُ على نوائِبِ الدَّهْرِ )) . فانظُرْ كيف استدلَّتْ بمحاسنِ الأفعالِ على حُسْنِ العواقبِ ، وكَرَمِ البدايةِ على جلالِة النهايةِ . وفي كتاب « الوزراء » للصابي ، و« المنتظم » لابنِ الجوزي ، و «الفَرَجِ بعد الشِّدَّةِ » للتنوخي قصَّةٌ ، مفادُها : أن ابن الفراتِ الوزير ، كان يتتبَّعُ أبا جعفرٍ بن بسطامٍ بالأذِيَّة ، ويقصدُه بالمكاره ، فلقي منه في ذلك شدائد كثيرةً ، وكانت أُمّ أبي جعفر قد عوَّدته – منذُ كان طفلاً – أنْ تجعل له في كلِّ ليلةٍ ، تحت مخدَّته التي ينامُ عليها رغيفاً من الخبزِ ، فإذا كان في غدٍ ، تصدَّقتْ به عنه . فلمَّا كان بعد مُدَّة من أذيَّةِ ابنِ الفراتِ له ، دخل إلى ابن الفراتِ في شيءٍ احتاج إلى ذلك فيه ، فقال له ابنُ الفراتِ : لك مع أُمِّك خُبْزٌ في رغيف ؟ قال : لا . فقال : لابُدَّ أن تصدُقني . فذكر أبو جعفر الحديث ، فحدَّثه به على سبيل التَّطايُبِ بذلك منْ أفعالِ النساءِ . فقال ابنُ الفراتِ : لا تفعلْ ، فإنّي بتُّ البارحة ، وأنا أُدبِّرُ عليك تدبيراً لو تمَّ لاستأصلْتُك ، فنمتُ ، فرأيتُ في منامي كأنَّ بيدي سيفاً مسلولاً ، وقد قصدتُك لأقتلك به ، فاعترضتْني أُمُّك بيدِها رغيفٌ تُترِّسُك به منّي ، فما وصلتُ إليك ، وانتبهتُ . فعاتبه أبو جعفر على ما كان بينهما ، وجعل ذلك طريقاً إلى استصلاحِه ، وبذل لهُ منْ نفْسِه ما يريدُه منْ حُسْنِ الطاعةِ ، ولم يبرحْ حتى أرضاهُ ، وصارا صديقيْن . وقال له ابنُ الفراتِ : واللهِ ، لا رأيت منِّي بعدها سُوءاً أبداً . *************************************** استجمامٌ يُعين علىُ مُواصلةِ السَّيْرِ من المعلومِ أنَّ في الشريعةِ سَعَةً وفُسحةً ، تُعينُ العبد على الاستمرار في عبادتِه وعطائِه وعملِه الصالحِ ، فرسولُنا كان يضحكُ ﴿ وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى ﴾ ، وكان يمزحُ ولا يقولُ إلا حقّاً ، وسابق عائشة رضي اللهُ عنها ، وكان يتخوَّلُ الصحابة بالموعظةِ ، كراهِية السَّآمِة عليهم ، وكان ينهى عن التَّعمُّق والتَّكلُّفِ والتشديدِ ، ويُخبرُ أنه لن يُشادّ الدِّين أحدٌ ، إلا غَلَبَهُ ، وفي الحديثِ أنَّ الدين متينٌ ، فأوغِلُوا فيه برفْقٍ . وفي الحديثِ أيضاً أنَّ لكل عابد شِرَّةً ، وهي الشّدَّةُ والضَّراوةُ والاندِفاعُ . ولا يلبثُ المتكلِّفُ إلا أنْ ينقطع ، لأنه نظر إلى الحالةِ الراهنةِ ونسي الطوارئ وطُول المُدَّة وملالة النَّفْس ، وإلاَّ فالعاقلُ له حدٌّ أدنى في العملِ يُداومُ عليه ، فإنْ نشط زاد ، وإنْ ضعف بقي على أصلِه ، وهذا معنى الأثر منْ كلامِ بعضِ الصحابة : إنَّ للنفوسِ إقبالاً وإدباراً ، فاغتنموها عند إقبالها ، وذرُوها عند إدبارِها . وما رأيتُ نفراً زادُوا في الكْيلِ ، وأكثَرُوا من النوافل ، وحاولوا أنْ يُغالوا ، فانقطعُوا وعادُوا أضْعفَ ممَّا كانوا قبْلَ البدايةِ . والدِّينُ أصلاً جاء للإسعاد ﴿ مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى ﴾ . وقد لام اللهُ قوماً كلَّفُوا أنفُسهم فوق الطَّاقةِ ، ثم انسحبوا منْ أرضِ الواقع ناكثِين ما ألزمُوا أنفسهم به ﴿وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاء رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا ﴾ . وميزةُ الإسلامِ على سائر الأديانُ أنه دينُ فطرةٍ ، وأنه وَسَطٌ ، وأنه للرُّوحِ والجسمِ ، والدنيا والآخرةِ ، وأنه ميسرٌ ﴿ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ ﴾ . عن أبي سعيد الخُدْريّ قال : جاء أعرابيٌّ إلى النبيِّ فقال : يا رسول اللهِ ، أيُّ الناس خيْرٌ ؟ قال: ((مؤمِنٌ مجاهِدٌ بنفسِه ومالِه في سبيلِ اللهِ، ثم رجُلٌ معتزلٌ في شِعْبٍ من الشِّعابِ يعبُد ربَّه )) . وفي روايةٍ : (( يتَّقي الله ويدع الناس من شرِّه )) ، وعنْ أبي سعيدٍ قال : سمعتُ النبي يقولُ : (( يُوشكُ أنْ يكون خير مالِ المسلم غنمٌ يتبعُ بها شعْفَ الجبالِ ومواقع القطْرِ ، يفرُّ بدينِه من الفِتنِ )) . رواه البخاريُّ . قال عمرُ : « خُذُوا حظَّكم من العُزلةِ » . وما أحْسنَ قول الجنيدِ : « مُكابدَةُ العزلةِ أيسرُ مْن مداراةِ الخلطةِ » . وقال الخطَّابيُّ : لو لم يكُنْ في العزلةِ إلا السلامةُ من الغيبةِ ، ومنْ رؤيةِ المنكرِ الذي لا يقدرُ على إزالتهِ ، لكان ذلك خيراً كثيراً . وفي هذا معنى ما أخرجهُ الحاكمُ ، منْ حديث أبي ذرٍّ مرفوعاً ، بلفظ : (( الوحدُة خيرٌ من جلِيسِ السُّوء )) . وسنده حَسَنٌ . وذَكَر الخطَّابيُّ في « كتاب العزلة » أنَّ العزلة والاختلاط يختلفُ باختلافِ متعلقاتهما ، فتُحمل الأدلَّةُ الوارِدةُ في الحضِّ على الاجتماعِ ، على ما يتعلَّقُ بطاعةِ الأئمةِ وأمورِ الدينِ ، وعكسُها في عكسِهِ ، وأما الاجتماعُ والافتراقُ بالأبدانِ ، فمنْ عَرَفَ الاكتفاء بنفسِه في حقِّ معاشِهِ ومحافظةِ دينهِ ، فالأوْلى لهُ الانكفافُ منْ مخالطةِ الناسِ ، بشرْطِ أنْ يُحافظَ على الجماعِة ، والسَّلامِ والرَّدِّ ، وحقوقِ المسلمين من العيادةِ وشهودِ الجنازةِ ، ونحْوِ ذلك . والمطلوبُ إنما هو ترْكُ فضولِ الصُّحبةِ ، لما في ذلك منْ شغِلِ البالِ وتضييعِ الوقتِ عن المُهمَّاتِ ، ويجعلُ الاجتماع بمنزلةِ الاحتياجِ إلى الغداءِ والعشاءِ ، فيقتصرُ منه على ما لابدَّ له منه ، فهو أرْوَحُ للبَدَنِ والقلبِ . واللهُ أعلمُ . وقال القُشيريُّ في « الرسالة» : طريقُ من آثرَ العُزلةَ ، أن يعتقد سلامة الناسِ منْ شرِّه ، لا العكسُ ، فإنَّ الأول : يُنتجهُ استصغارُه نفْسه ، وهي صفةُ المتواضعِ ، والثاني : شهودُه مزيةً له على غيرِه ، وهذه صفةُ المتكبِّرِ . والناسُ في مسألةِ العُزلةِ والخلطةِ طرفانِ ووسطٌ . فالطرف الأوَّلُ : من اعتزل الناس حتى عن الجُمعِ والجماعاتِ والأعيادِ ومجامع الخيْرِ ، وهؤلاءِ أخطؤُوا . والطرف الثاني : منْ خالط الناس حتى في مجالسِ اللَّهوِ واللَّغوِ والقيلِ والقالِ وتضييعِ الزَّمانِ ، وهؤلاء أخطؤُوا . والوسط : منْ خالط الناس في العباداتِ التي لا تقوُم إلا باجتماعٍ ، وشاركهم في ما فيه تعاونٌ على البِرِّ والتقوى وأجرٌ ومثوبةُ ، واعتزال مناسباتِ الصَّدِّ والإعراضِ عن اللهِ وفضولِ المباحاتِ ﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً﴾ . ************************************************ | |
|
| |
نسيم السحر
عدد المساهمات : 242 تاريخ التسجيل : 20/06/2009 العمر : 43 الموقع : سورية ____ حلب
| موضوع: رد: لا تحزن للشيخ / عائض القرني الخميس يونيو 25, 2009 5:37 pm | |
| وقفـــــة
عن عُباد بنِ الصامتِ قال : قال رسولُ اللهِ : (( عليكمْ بالجهاد في سبيلِ اللهِ ، فإنه بابٌ من أبوابِ الجنةِ ، يُذهِبُ اللهُ به الغمَّ والهمَّ )) . « وأمَّا تأثيرُ الجهاد في دفْع الهمِّ والغمِّ ، فأمرٌ معلومٌ بالوجدان ، فإنَّ النَّفْس متى تركتْ صائل الباطلِ وصولتهُ واستيلاءهُ ، اشتدَّ همُّها وغمُّها ، وكربُها وخوفُها ، فإذا جاهدتْه للهِ ، أبدل اللهُ ذلك الهمَّ والحُزْن فرحاً ونشاطاً وقوةً ، كما قال تعالى : ﴿ قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ{14} وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ﴾ . فلا شيء أذْهبُ لجَوَى القلبِ وغمِّه وحزنِه من الجهادِ ، واللهُ المستعانُ » . قال الشاعرُ : وإني لأُغضي مقلتيَّ على القذى وألْبَسُ ثوب الصبرِ أبيض أبْلجا
وإني لأدعو الله والأمرُ ضيِّقٌ
عليَّ فما ينفكُّ أن يَتَفَرَّجَا
وكم من فتى سُدَّتْ عليه وجوهُهُ
أصاب لها في دعوةِ اللهِ مَخْرَجا
************************************* مَسارِحُ النَّظر في الملكوت
منْ طُرُقِ الارتياحِ وبسْطِة الخاطرِ ، التَّطلُّعُ إلى آثارِ القُدرةِ في بديعِ السماواتِ والأرضِ ، فتستلذّ بالبهجة العامرةِ في خلقِ الباري – جلَّ في عُلاهُ – في الزهرة ، في الشجرةِ ، في الجدولِ ، في الخميلةِ ، في التلِّ والجبل ، في الأرضِ والسماءِ ، في الليلِ والنهارِ ، في الشمسِ والقمرِ ، فتجدُ المتعة والأُنس ، وتزدادُ إيماناً وتسليماً وانقياداً لهذا الخالقِ العظيمِ ﴿ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ ﴾ . يقول أحدُ الفلاسفةِ ممنْ أسلموا : كنتُ إذا شككْتُ في القُدرةِ ، نظرتُ إلى كتابِ الكونِ ، لأُطالع فيه أحْرُفَ الإعجازِ والإبداعِ ، فأزدادُ إيماناً . ********************************* خُطوات مدروسة
يقولُ الشوكانيُّ : أوصاني بعضُ العلماءِ فقال : لا تنقطعِ عن التأليف ولو أنْ تكتُب في اليومِ سطرين . قال : فأخذتُ بوصيَّتِه ، فوجدتُ ثمرتها . وهذا معنى الحديث : (( خيرُ العملِ ما داوم عليه صاحبُه وإنْ قلَّ )) وقال : القطرةُ مع القطرةِ تجتمعُ سيلاً عظيماً . أما تَرَى الحبلَ بطُولِ المدى على صليبِ الصَّخْر قدْ أثَّرا
وإنما يأتينا الاضطرابُ منْ أننا نريدُ أن نفعل كلَّ شيءٍ مرَّةً واحدةً ، فنَمَلُّ ونتعبُ ونترُكُ العمل ، ولو أننا أخذْنا عَمَلنا شيئاً فشيئاً ، ووزَّعْناه على مراحل ، لقطعْنا المراحل في هدوءٍ ، واعتبِرْ بالصلاةِ ، فإنَّ الشَّرْع جَعَلَها في خمسةِ أوقاتٍ متفرِّقةٍ ، ليكون العبدُ في استجمامٍ وراحةٍ ، ويأتي لها بالأشواق ، ولو جُمعتْ في وقتٍ ، لملَّ العبد، وفي الحديثِ : ((إن المُنْبتَّ لا ظهْراً أبْقى ولا أرضاً قطع )) . ووُجِد بالتَّربةِ ، أنَّ منْ يأخذُ العَمَلَ على فتراتٍ ، يُنجزُ ما لم يُنجزْهُ منْ أخذهُ دفعةً واحدةً ، مع بقاءِ جذوةِ الرُّوحِ وتوقُّدِ العاطفةِ . ومما استفدتُه عنْ بعض العلماءِ ، أنَّ الصلوات ترتِّبُ الأوقاتِ ، أخذاً منْ قولِ الباري : ﴿ إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَّوْقُوتاً ﴾ . فلو أنَّ العبد وزَّع أعمالهُ الدينية والدُّنيوية بعد كلِّ صلاةٍ ، لوجد سعةً في الوقت ، وفسحةً في الزمنِ . وأنا أضربُ لك مَثَلاَ: فلو أن طالب العِلْم، جعل ما بعد الفجرِ للحفْظِ في أيّ فنٍّ شاء، وجعل بعد الظُّهر للقراءةِ السهْلةِ في المجامع العامَّة ، وجعل بعد العصر للبحثِ العلميِّ الدقيقِ ، وما بعد المغربِ للزِّيارةِ والأُنسِ ، وما بعد العشاءِ لقراءة الكُتُبِ العصريَّةِ والبحوثِ والدوريَّاتِ والجلوس مع الأهل ، لكان هذا حسناً ، والعاقِل له مِنْ بصيرتِه مَدَدٌ ونورٌ . ﴿ إَن تَتَّقُواْ اللّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً ﴾ . ******************************************* بلا فوضويَّة مما يُكدِّرُ ويُشتِّتُ الذِّهن ، الفوضويَّةُ الفكريَّةُ التي يعيشُها بعضُ الناسِ ، فهو لم يحدِّد قُدراتِه ، ولم يقصدْ إلى ما يجمعُ شمل فكْرهِ ونظرِه ؛ لأن المعرفة شعوبٌ ودروبٌ ، ولابُدَّ منْ تحديدِ آيتِها ومعرفةِ مسالكها ، ويُجمعُ رأْيه على مشربٍ معروفٍ ، لأنّ التَّفرد مطلوبٌ . وكذلك ممَّا يشتِّتُ الذهن ، ويُورِث الغمَّ ، الدَّيْنُ والتبِعاتُ الماليةُ والتكاليفُ المعيشيَّةُ . وهناك أصولٌ في هذه المسألةِ أريدُ ذِكرها : أولها : ما غال منِ اقتصدُ : ومنْ أحْسَنَ الإنفاق ، وحفِظ مالهُ إلاَّ للحاجة ، واجتنب التبذير والإسراف ، وَجَدَ العون من اللهِ ﴿ إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ ﴾ ، ﴿ وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً ﴾ .
الثاني : كسْب المال من الوجوهِ المُباحةِ ، وهجْرُ كلِّ كسبٍ محرَّمٍ ، فإنَّ الله طيِّبٌ لا يقبلُ إلا طيِّباً ، واللهُ لا يُباركُ في المكسبِ الخبيثِ ﴿ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ﴾ . الثالث : السَّعْيُ في طلبِ المالِ الحلالِ ، وجمْعُه منْ حلِّه ، وتركُ العطالةِ والبطالةِ ، واجتنابِ إزجاءِ الأوقاتِ في التفاهاتِ ، فهذا ابنُ عوف يقول : دُلُّوني على السوقِ : ﴿ فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ . ****************************************** ثمنُك إيمانُك وخُلُقُك
مرَّ هذا الرجلُ الفقيرُ المعدومُ ، وعليهِ أسمالٌ باليةٌ وثيابٌ رثَّة ، جائع البطْن ، حافي القدمِ ، مغمور النَّسبِ ، لا جاهٌ ولا مالٌ ولا عشيرةٌ ، ليس له بيتٌ يأوي إليهِ ، ولا أثاث ولا متاع ، يشربُ من الحياضِ العامَّةِ بكفَّيْه مع الواردين ، وينامُ في المسجدِ ، مخدَّتُه ذراعُه ، وفراشُه البطحاءُ ، لكنَّه صاحبُ ذِكرٍ لربِّه وتلاوةٍ لكتابِ مولاهُ لا يغيبُ عنِ الصَّفِّ الأولِ في الصلاةِ والقتالِ ، مرَّ ذات يومٍ برسولِ اللهِ فناداهُ باسمِهِ وصاح به : (( يا جُليْبيبُ ألا تتزوَّجُ ؟ )) . قال : يا رسول اللهِ ، ومنْ يُزوِّجُني ؟ ولا مالٌ ولا جاهٌ ؟ ثمَّ مرَّ به أخرى ، فقال له مثْل قولهِ الأولِ ، وأجاب بنفسِ الجواب، ومرَّ ثالثةً ، فأعاد عليه السؤال وأعاد هو الجواب ، فقال : (( يا جليبيبُ ، انطلِقْ إلى بيتِ فلانٍ الأنصاريِّ وقُلْ له : رسولُ اللهِ يقرئُك السلام ، ويطلبُ منك أن تُزوِّجني بِنْتك )) . وهذا الأنصاريَّ منْ بيتٍ شريفٍ وأسرةٍ موقرةٍ ، فانطلق جليبيبٌ إلى هذا الأنصاريِّ وطرق عليه الباب وأخبره بما أمره به رسولُ اللهِ فقال الأنصاريُّ : على رسول الله السلامُ ، وكيف أُزوِّجك بنتي يا جليبيبُ ولا مالٌ ولا جاهٌ ؟ وتسمعُ زوجتُه الخَبَرَ فتعجبُ وتتساءلُ : جليبيبٌ ! لا مالٌ ولا جاهٌ ؟ فتسمُع البنتُ المؤمنةُ كلام جليبيبٍ ورسالة الرسولِ فتقول لأبويها : أترُدَّانِ طلب رسولِ اللهِ ، لا والذي نفسي بيدِهِ . وحصل الزواج المبارك والذُّرِّيَّةُ المباركةُ والبيتُ العامرُ ، المؤسَّسُ على تقوى من اللهِ ورضوانٍ ، ونادى منادي الجهادِ ، وحضر جليبيبُ المعركة ، وقتل بيده سبعةً من الكفارِ ، ثم قُتل في سبيلِ اللهِ ، وتوسد الثرى راضياً عنْ ربِّه وعنْ رسولِه وعنْ مبدئِه الذي مات منْ أجلِهِ ، ويتفقَّدُ الرسولُ القتلى ، فيُخبرُه الناسُ بأسمائِهم ، وينسون جليبيباً في غمرةِ الحديث ، لأنهُ ليس لامعاً ولا مشهوراً ، ولكنّ الرسول يذكُرُ جليبيباً ولا ينساهُ ، ويحفظُ اسمه في الزحامِ ولا يُغفله ، ويقولُ : (( لكنَّني أفقِدُ جليبيباً )) . ويجده وقد تدثَّر بالتراب ، فينفضُ التراب عن وجهه ويقولُ له : (( قَتَلْتَ سبعة ثم قُتِلْت ؟ أنت مني وأنا منك ، أنت مني وأنا منك ، أنت مني وأنا منك )) . ويكفي هذا الوسام النبويُّ جليبيباً عطاءً ومكافأةً وجائزةً . إنَّ ثمنَ جليبيبٍ ، إيمانُه وحبُّ رسولِ اللهِ له ، ورسالتُه التي مات من أجلِها . إنَّ فقره وعدمَه وضآلةُ أسرتِه لم تُؤخِّرْه عنْ هذا الشرفِ العظيمِ والمكسب الضخمِ ، لقدْ حاز الشهادة والرِّضا والقبُول والسعادة في الدنيا والآخرة : ﴿ فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ . إنَّ قيمتك في معانيك الجليلةِ وصفاتِك النبيلةِ . إنَّ سعادتك في معرفتِك للأشياءِ واهتماماتِك وسموِّك . إنَّ الفقرَ والعوز والخمول، ما كان - يوماً من الأيامِ- عائقاً في طريق التَّفوُّقِ والوصولِ والاستعلاءِ . هنيئاً لمنْ عَرَفَ ثمنه فعلاً بنفسِه ، وهنيئاً لمنْ أسعد نفسهُ بتوجيههِ وجهادِه ونُبِله ، وهنيئاً لمنْ أحْسنَ مرَّتيْن ، وسعد في الحياتينِ ، وأفلح في الكرتيْنِ ، الدُّنيا والآخرةِ . ********************************************** | |
|
| |
نسيم السحر
عدد المساهمات : 242 تاريخ التسجيل : 20/06/2009 العمر : 43 الموقع : سورية ____ حلب
| موضوع: رد: لا تحزن للشيخ / عائض القرني الخميس يونيو 25, 2009 5:39 pm | |
| يا سعادة هؤلاء
أبو بكرٍ – رضي اللهُ عنهُ - : بآيةٍ : ﴿ وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى{17} الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى ﴾ . عمرُ - رضي الله عنه - : بحديثِ : (( رأيتُ قصراً أبيض في الجنةِ ، قلتُ : لمن هذا القصرُ ؟ قيل لي : لعمر بنش الخطابِ )) . وعثمانُ - رضي الله عنهُ - : بدعاءِ : (( اللهمَّ اغفْر لعثمان ما تقدَّم منْ ذنبِه وما تأخَّر )) . وعليٌّ - رضي الله عنهُ - : (( رجُلٌ يحبُّ الله ورسوله ، ويحبُّه الله ُ ورسولُه )) . وسعدُ بنُ معاذٍ - رضي الله عنهُ - : (( اهتزَّ له عرشُ الرحمنِ )) . وعبدُاللهِ بن عمْرٍو الأنصاريُّ - رضي الله عنهُ -: ((كلَّمه اللهُ كِفاحاً بلا ترْجُمان )) . وحنْظَلَةُ - رضي الله عنهُ - : (( غسَّلتْهُ ملائكةُ الرحمنِ )) . **************************************** ويا شقاوة هؤلاء فرعونُ : ﴿ النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً ﴾ . وقارونُ : ﴿ فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ ﴾ . والوليدُ بنُ المغيرة : ﴿ سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً ﴾ . وأُميَّةُ بنُ خلف : ﴿ وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ ﴾ . وأبو لهبٍ : ﴿ تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ ﴾ . والعاص بنُ وائلٍ : ﴿ كَلَّا سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَدّاً ﴾ . **************************************** وقفــــــة
« قلَّةُ التوفيقِ وفسادُ الرأي ، وخفاءُ الحقِّ وفسادُ القلب ، وخمولُ الذِّكْرِ ، وإضاعةُ الوقتِ ، ونَفْرَةُ الخلْق ، والوحْشةُ بين العبدِ وبين ربِّه ، ومنْعُ إجابةِ الدعاءِ ، وقسوةُ القلبِ ، ومحْقُ البركةِ في الرِّزقِ والعُمرِ ، وحرمانُ العلمِ ، ولباسُ الذُّلِّ ، وإهانةُ العدوِّ وضيقُ الصدرِ ، والابتلاءُ بقرناءِ السوءِ الذين يُفسدون القلب ويُضيِّعون الوقت ، وطولُ الهمِّ ، وضنْكُ المعيشةِ ، وكَسْفُ البالِ ... تتولَّد من المعصيةِ والغفلِة عن ذكرِ اللهِ ، كما يتولَّد الزرعُ عن الماءِ ، والإحراقُ عن النارِ . وأضدادُ هذه تتولَّدُ عن الطاعةِ » . « أمَّا تأثيرُ الاستغفارِ في دفْع الهمِّ والغمِّ والضيقِ ، فمِمَّا اشترك في العلْمِ به أهلُ المللِ وعقلاءُ كلِّ أمَّة ، إنَّ المعاصي والفساد تُوجِب الهمَّ والغمَّ ، والخوف والحزن، وضِيق الصدر ، وأمراض القلب ، حتى إنّ أهلها ذا قضوا منها أوطارها ، وسئمتْها نفوسُهم ، ارتكبوها دفعاً لما يجدونهُ في صدورهِم من الضِّيقِ والهمِّ والغمِّ ، كما قال شيخُ الفسوقِ :
وكأسٍ شرِبْتُ على لذَّةٍ وأُخرى تداويْتُ مِنْها بها
وإذا كان هذا تأثيرُ الذنوبِ والآثامِ في القلوبِ ، فلا دواء لها إلا التوبةُ والاستغفارُ» . ************************************* رِقْقاً بالقوارير ﴿ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ﴾ . ﴿ وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ﴾ . وفي الحديثِ : (( استوصُوا بالنساءِ خيراً ، فإنهنَّ عوانٍ عندكم)) . وفي حديثِ آخر : (( خيرُكم خيركم لأهِلهِ ، وأنا خيرُكم لأهلي )) . البيتُ السعيدُ هو العامرُ بالأُلفةِ ، القائمُ على الحبِّ المملوءُ تقوى ورضواناً : ﴿ أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَم مَّنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىَ شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴾ . ***************************************** بَسْمةٌ في البدايةِ
من حُسنِ الطالع وجميلِ المقابلةِ تبسُّم الزوجةِ لزوجِها والزوجُ لزوجتِه ، إن هذه البسمة إعلانٌ مبدئيٌّ للوفاقِ والمصالحةِ : (( وتبسُّمك في وجه أخيك صدقةٌ )) . وكان ضحَّاكاً بسَّاماً . وفي البدايةِ بالسلامِ : ﴿ فَسَلِّمُوا عَلَى أَنفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِّنْ عِندِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً ﴾ ، وردُّ التحيةِ من أحدِهما للآخرِ : ﴿ وَإِذَا حُيِّيْتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا ﴾ . قال كُثيِّر : حيَّتْك عزّةُ بالتسليمِ وانصرفتْ فحيِّها مثل ما حيَّتْك يا جملُ
ليت التحية كانتْ لي فأشكرها
مكان يا جملاً حُيِّيت يا رجلُ
ومنها الدعاءُ عند دخول المنزلِ : (( اللهمَّ إني أسألُك خَيْرَ الموْلجِ وخير المخرجِ ، باسم اللهِ ولجْنا ، وباسمِ اللهِ خرجْنا ، وعلى اللهِ ربِّنا توكَّلنا )) . ومن أسبابِ سعادةِ البيتِ : لِينُ الخطابِ من الطرفين : ﴿ وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ﴾ . وكلامُها السحرُ الحلالُ لو أنه لم يجنِ قتل المسلمِ المتحرِّزِ
إنْ طال لمْ يُمْلَلْ وإنْ هي أوجزتْ
ودَّ المحدَّثُ أنها لم تُوجزِ
يا ليت الرجل ويا ليت المرأة ، كلٌّ منهما يسحبُ كلام الإساءةِ وجرْح المشاعرِ والاستفزازِ ، يا ليت أنهما يذكرانِ الجانب الجميل المشرق في كلٍّ منهما ، ويغضَّانِ الطرْف عن الجانبِ الضعيفِ البشريِّ في كليهما . إن الرجل إذا عدَّد محاسن امرأتِه ، وتجافى عن النقصِ ، سعِد وارتاح ، وفي الحديثِ : (( لا يفرُكُ مؤمنٌ مؤمنةً ، إن كره منها خلُقاً رضي منها آخر )) . ومعنى لا يفرك : لا يبغضِ ولا يكره . من ذا الذي ما ساء قطْ ومنْ له الحسنى فقطْ
من الذي ما ما نبا سيفُ فضائلِه ولا كبا جوادُ محاسنِه : ﴿ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ أَبَداً ﴾ . أكثرُ مشاكلِ البيوتِ من معاناةِ التوافهِ ومعايشةِ صغارِ المسائلِ ، وقد عشتُ عشراتِ القضايا التي تنتهي بالفراقِ ، سببُ إيقادِ جذوتها أمورٌ هينةٌ سهلة ، أحدُ الأسبابِ أن البيت لم يكن مرتّباً ، والطعام لمِ يقدَّم في وقتِه ، وسببُه عند آخرين أن المرأة تريدُ من زوجها أن لا يُكثر من استقبالِ الضيوفِ ، وخذْ من هذه القائمة التي تُورثُ اليتُم والمآسي في البيوتِ . إن علينا جميعاً أن نعترف بواقِعنا وحالِنا وضعفِنا ، ولا نعيشُ الخيال والمثالياتِ ، التي لا تحصلُ إلا لأولي العزمِ من أفرادِ العالمِ . نحن بشرٌ نغضبُ ونحتدُّ ، ونضعفُ ونخطئُ ، وما معنا إلا البحثُ عن الأمرِ النسبيِّ في الموافقة الزوجيةِ حتى بعد هذه السنواتِ القصيرةِ بسلامِ . إن أريحية أحمد بنِ حنبل وحُسْن صحبته تقدّم في هذه الكلمة ، إذ يقول بعد وفاة زوجتهِ أمِّ عبدِالله : لقد صاحبتُها أربعين سنةً ما اختلفتُ معها في كلمةٍ . إن على الرجل أن يسكت إذا غضبتْ زوجتُه ، وعليها أن تسكتُ هي إذا غضب ، حتى تهدأ الثائرةُ ، وتبرد المشاعرُ ، وتسكن اضطراباتُ النفسِ . قال ابنُ الجوزيِّ في « صيدِ الخاطرِ » : « متى رأيت صاحبك قد غَضِبَ وأخذ يتكلَّمُ بما لا يصلحُ ، فلا ينبغي أن تعقد على ما يقولُه خِنْصِرا ( أي لا تعتدَّ به ولا تلتفتْ إليه ) ، ولا أن تؤاخذه به ، فإن حاله حالُ السكرانِ لا يدري ما يجري ، بل اصبرْ ولو فترةً ، ولا تعوِّلْ عليها ، فإن الشيطان قد غلبه ، والطبعُ قد هاج ، والعقلُ قد استتر ، ومتى أخذت في نفسِك عليه ، أو أجبته بمقتضى فعْله ، كنت كعاقل واجه مجنوناً ، أو مفيقٍ عاتب مغمىً عليه ، فالذنبُ لك، بل انظرْ إليه بعينِ الرحمةِ ، وتلمَّحْ تصريف القدر له ، وتفرَّجْ في لعبِ الطبعِ به . واعلم أنه إذا انتبه ندِم على ما جرى ، وعَرَفَ لك فضْل الصَّبْرِ ، وأقلُّ الأقسامِ أن تُسْلِمه فيما يفعلُ في غضبِه إلى ما يستريحُ به . وهذه الحالةُ ينبغي أن يتلمَّحها الولدُ عند غضب الوالدِ ، والزوجةُ عند غضبِ الزوج ، فتتركه يشفى بما يقولُ ، ولا تعوِّلْ على ذلك ، فسيعودُ نادماً معتذراً ، ومتى قُوبل على حالته ومقالتِه صارتِ العداوةُ متمكِّنةً ، وجازى في الإفاقةِ على ما فُعِل في حقِّه وقت السُّكْرِ . وأكثرُ الناسِ على غيْرِ هذا الطريقِ ، متى رأوا غضبان قابلُوه بما يقولُ ويعملُ ، وهذا على غيْرُ مقتضى الحكمةِ ، بل الحِكمةُ ما ذكرتُ ، وما يعقلُها إلا العالمون » . ***************************************** | |
|
| |
نسيم السحر
عدد المساهمات : 242 تاريخ التسجيل : 20/06/2009 العمر : 43 الموقع : سورية ____ حلب
| موضوع: رد: لا تحزن للشيخ / عائض القرني الخميس يونيو 25, 2009 5:40 pm | |
| حبُّ الانتقامِ سُمُّ زُعاف في النفوسِ الهائجةِ
في كتاب « المصلوبون في التاريخ » قصصٌ وحكاياتٌ لبعضِ أهل البطشِ الذين أنزلوا بخصومهم أشدَّ العقوباتِ وأقسى المُثلات ، ثم لما قتلوهم ما شفى لهم القتلُ غليلاً ، ولا أبرد لهم عليلاً ، حتى صلبوهُم على الخُشُب ، والعَجَبُ أن المصلوب بعد قتلِهِ لا يتألَّم ولا يُحِسُّ ولا يتعذبُ ، لأن روحه فارقتْ جسمه ، ولكن الحيَّ القاتل يأنسُ ويرتاحُ ، ويُسرُّ بزيادةِ التنكيلِ . إن هذه النفوس المتلمِّظة على خصومِها المضطرمةَ على أعدائِها لن تهدأ أبداً ولن تسعد ، لأن نار الانتقامِ وبركان التشفِّي يدمِّرُهم قبل خصومِهِمْ . وأعجبُ من هذا أن بعض خلفاءِ بني العباس فاته أن يقتل خصومه من بني أمية ، لأنهم ماتُوا قبل أن يتولَّى ، فأخرجهم من قبورهم وبعضُهم رميمٌ فجلدهم ، ثم صلبهم ، ثم أحرقهم . إنها ثورةُ الحقدِ العارمِ الذي يُنهي على المسرَّاتِ وعلى مباهجِ النفسِ واستقرارِها . إن الضرر على المنتقمِ أعظمُ ، لأنه فَقَدَ أعصابَه وراحته وهدوءهُ وطمأنينته . لا يبلغُ الأعداءُ من جاهلٍ ما يبلغُ الجاهلُ مِنْ نَفْسِهِ
﴿ وَإِذَا خَلَوْاْ عَضُّواْ عَلَيْكُمُ الأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُواْ بِغَيْظِكُمْ ﴾ . ***************************************** وقفــــةٌ
« ليس للعبدِ إذا بُغِي عليه وأُوذي وتسلَّط عليه خصومُه ، شيء أنفعُ له من التوبةِ النصوحِ ، وعلامةُ سعادتِه أن يعكس فكره ونظره على نفسِه وذنوبِه وعيوبِه ، فيشتغل بها وبإصلاحها ، وبالتوبةِ منها ، فلا يبقى فيه فراغٌ لتدبُّر ما نَزَل به ، بل يتولَّى هو التوبة وإصلاح عيوبه ، واللهُ يتولى نُصرته وحفظه والدفع عنه ولابدَّ ، فما أسعدهُ من عبدٍ ، وما أبركها من نازلةٍ نزلتْ به ، وما أحسن أثرها عليه ، ولكن التوفيق والرشد بيدِ اللهِ ، لا مانعٍ لما أعطى ولا مُعطي لما منع ، فما كلُّ أحدٍ يُوفَّق لهذا ، لا معرفةً به ، ولا إرادةً له ، ولا قدرةً عليه ، ولا حول ولا قوة إلا باللهِ » . سبحان منْ يعفو ونهفو دائماً ولم يزلْ مهما هفا العبدُ عفا
يُعطي الذي يخطي ولا يمنعُه جلالُه عن العطا لذي الخطا
******************************************* لا تذُبْ في شخصيةِ غيرك
تمرُّ بالإنسان ثلاثةُ أطوار : طوْرُ التقليد ، وطورُ الاختيارِ ، وطورُ الابتكارِ . فالتقليدُ : هو المحاكاةُ للآخرين وتقمُّصُ شخصياتِهم وانتحالُ صفاتِهم والذوبانُ فيهم ، وسببُ هذا التقليدِ هو الإعجابُ والتعلُّقُ والميْلُ الشديدُ ، وهذا التقليدُ الغالي ليحمل بعضهُم على التقليد في الحركاتِ واللحظاتِ ، ونبْرةِ الصوتِ والالتفاتِ ، ونحو ذلك ، وهو وأْدٌ للشخصية وانتحارٌ معنويٌّ للذاتِ . ويا لمُعاناةِ هؤلاءِ من أنفسِهم ، وهم يعكسون اتجاههُمْ ، ويسيرون إلى الخلفِ !! فالواحدُ منهم ترك صوته لصوتِ الآخرِ ، وهَجَرَ مشيته لمشيةِ فلانٍ ، ليت هذا التقليد كان للصفاتِ الممدوحةِ التي تُثري العمر وتُضفي عليه هالة من السموِّ والرّفعةِ ، كالعِلْمِ والكرمِ والحلمِ ونحوها ، لكنك تُفاجأُ أن هؤلاء يقلِّدون في مخارجِ الحروفِ وطريقةِ الكلامِ وإشارةِ اليدِ !! . أريدُ التأكيد عليك بما سبق : إنك خَلْقٌ آخرُ وشيءٌ آخرُ ، إنه نهجُك أنت من خلالِ صفاتِك وقدراتِك ، فإنه منذُ خَلَقَ اللهُ آدم إلى أن ينهي اللهُ العالم ، لم يتفقْ اثنانِ في الصورةِ الخارجيةِ للجسمِ ، بحيثُ ينطبق شكلُ هذا على شكلِ ذاك : ﴿ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ ......﴾ الآية . فلماذا نحنُ نريدُ أن نتفقَ مع الآخرين في صفاتِنا ومواهبِنا وقدراتِنا ؟! إن جمال صوتِك أن يكون متفرِّداً ، وإن حُسْن إلقائِك أن يكون متميِّزاً : ﴿ وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ ﴾ . ************************************ المكظومون في انتظار لطْف الله
هذا الخطيبُ المِصْقعُ لا يلتوي لسانُه إذا تراكضتِ الألفاظُ في ميدانِ البيانِ ، بل يمضي ساطعاً صارماً متدفِّقاً . هو خطيبُ الرسول وحسْبُ ، وخطيب الإسلام وكفى ، كان يرفع صوته بالخطبِ بين يدي رسول اللهِ لنصرةِ الدِّين ، إنه ثابتُ بنُ قيسِ بن شمّاس ، وأنزل اللهُ : ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ ﴾ . وظنَّ قيسٌ أنه هو المقصودُ ، فاعتزل الناس واختبأ في بيتِه يبكي ، وفقده رسولُ اللهِ فسأل عنه ، فأخبره الصحابةُ الخَبَرَ ، فقال : (( كلاَّ ، بل هو من أهلِ الجنةِ )) . فصارتِ النذارةُ بشارةٌ . هناءٌ محا ذاك العزاء المقدَّما فما جزِع المحزونُ حتى تبسَّما
وتبقى عائشةُ أمُّ المؤمنين – رضي اللهُ عنها – تبكي شهراً كاملاً ليلاً ونهاراً ، حتى كاد البكاء يمزِّقُ كبِدها ويفري جسمها ، لأنها طُعنتْ في عِرْضها الشريفِ ، العفيفِ ، فجاء الفرج : ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ﴾ . وحمدتِ الله وصارتْ أطهر الطُّهرِ ، كما كانتْ ، وفرح المؤمنون بهذا الفتحِ المبينِ . والثَّلاثةُ الذين تخلَّفوا عن غزوةِ تبوك ، وضاقْتْ عليهمْ الأرضُ بما رحُبتْ ، وضاقتْ عليهم أنفسُهم ، وظنُّوا أن لا ملجأ من اللهِ إلا إليه ، أتاهم الفرجُ ممنْ يملكُه – سبحانه- ونزل عليهم الغوْثُ من السميعِ القريبِ . ************************************* احرصْ على العملِ الذي ترتاحُ لهُ
يقولُ ابن تيمية : « ابتدأني مرضٌ ، فقال لي الطبيبُ : إنَّ مطالعتك وكلامك في العلمِ يزيدُ المرض . فقلت له : لا أصبرُ على ذلك ، لا أصبرُ على ذلك ، وأنا أحاكمُك إلى علمِك ، أليستِ النَّفسُ إذا فرجتْ وسُرَّتْ قويتِ الطَّبيعةُ ، فَدَفعتِ المرض ؟ فقال : بلى . فقلتُ له : فإن نفسي تُسرُّ بالعلمِ ، فتقوى به الطبيعةُ ، فأجدُ راحةً . فقال: هذا خارجٌ عن علاجِنا» ﴿لَا تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ﴾ . لعلَّ عَتْبَك محمودٌ عواقبُهُ
فربَّما صحتِ الأجسامُ بالعِللِ
******************************************** كُلاً نُمِدُّ هؤلاءِ وهؤلاء
ما أحوجنا إلى المثابرةِ واستثمارِ الوقت ، ومسابقةِ الأنفاسِ بالعملِ الصالحِ النافعِ المفيدِ ، إننا سوف نسعدُ يوم نقدِّم للآخرين نفعاً ووعياً وخدمة وثقافةً وحضارةً ، وسوف نسعدُ إذا علمْنا أننا لم نأتِ إلى الحياةِ سُدّى ، ولم نُخْلقْ عَبَثاً ، ولم نُوجدْ لعِباً . يوم تصفَّحتُ « الأعلام » للزركليِّ فوجدتُ تراجم شرقيين وغربيين ، ساسةً وعلماء ، وحكماء وأدباء وأطباء ، يجمعهم أنهم نابغون مؤثِّرون لامعون ، ووجدتُ في سِيرهم جميعاً سنة اللهِ في خلقِه ، ووعد اللهِ في عبادِه ، وهي أن من أحسن من أجل الدنيا وُفّي نصيبه من الدنيا ، من الذيوعِ والشهرةِ والانتشارِ ، وما يلحقُ ذلك من مالِ ومنصبٍ وإتحافٍ ، ومن أحسن للآخرةِ وجدها هنا وهناك ، من النفعِ والقبولِ والرضا والأجرِ والمثوبةِ : ﴿ كُلاًّ نُّمِدُّ هَـؤُلاء وَهَـؤُلاء مِنْ عَطَاء رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاء رَبِّكَ مَحْظُوراً ﴾ . ووجدتُ في الكتابِ أيضاً أن هؤلاءِ العباقرةِ الذين قدَّموا للبشرية نفعاً ونتاجاً ولم يعملُوا للآخرة – وأخصُّ منهم غيْر المؤمنين باللهِ ولقائِه – وجدتُهم أسعدوا الناس أكثر من أنفسِهم ، وأفرحوا أرواح الآخرين أكثر من أرواحهِم ، فإذا بعضُهم ينتحرُ ، وبعضهم يثورُ من واقعِه ويغضبُ من حياتِهِ ، وآخرون منهم يعيشون بؤساً وضنْكاً . وسألتُ نفسي : ما هي الفائدةُ إذا سعد بي قومٌ وشقيت أنا ، وانتفع بي ملأٌ وحُرمِت أنا ؟! ووجدتُ أنَّ الله أعطى كلَّ أحدٍ من هؤلاءِ البارزين ما أراد ، تحقيقاً لوعدِه ، فجمْعٌ منهم حصل على جائزةِ نوبل ، لأنه أرادها وسعى لها ، ومنهم من تبوَّأ الصدارة في الشهرةِ ، لأنه بحث عنها وشغف بها ، ومنهم من وَجَدَ المال ، لأنه هام به وأجبَّه ، ومنهم عبادُ اللهِ الصالحون ، حصلُوا على ثوابِ الدنيا وحسنِ ثوابِ الآخرةِ – إنْ شاء اللهُ - ، يبتغون فضلاً من اللهِ ورِضْواناً . إنَّ من المعادلات الصحيحة المقبولة : أن المغمور السعيد الواثق من منهجِه وطريقِه ، أنعمُ حظّاً من اللامعِ الشهيرِ الشقيِّ بمبادئِه وفكرِهِ . إنَّ راعي الإبلِ المسلمِ في جزيرةِ العربِ أسعدُ حالاً بإسلامِه من « تولوستوي » الكاتب الروائي الشهيرِ ، لأن الأول قضى حياته مطمئناً راضياً ساكناً يعرفُ مصيرَهُ ومنقلبه ، والثاني عاش ممزَّق الإرادةِ ، مبعثر الجهدِ ، لم يبردْ غليلُه من مرادِه ، ولا يعرفْ مستقبلهُ . عند المسلمين أعظمُ دواءٍ عرفتْه البشريةُ ، وأجلُّ علاجٍ اكتشفتْه الإنسانيةُ . إنه الإيمانُ بالقضاءِ والقدرِ ، حتى قال بعضُ الحكماءِ : لن يسعد في الحياةِ كافرٌ بالقضاءِ والقدرِ . وقد أعدتُ عليك هذا المعنى كثيراً ، وعرضتُه لك في أساليب شتَّى ، وأنا على عمْد ، لأنني أعرفُ من نفسي ومن كثير مثلي أننا نؤمنُ بالقضاءِ والقدرِ فيما نحبُّه ، وقد نتسخَّطُ عليه فيما نكرهُهُ ، ولذلك كان شرطُ الملَّةِ وميثاقُ الوحيِ : (( أن تؤمن بالقدرِ خيرِه وشره ، حلوِه ومرِّه )) . ************************************ | |
|
| |
| لا تحزن للشيخ / عائض القرني | |
|